الفعلية وحكمت بنفسها المقاطعات التي كانت في حوزتها، شريطة دفع الجزية للسلطان. ففي مصر، بقي الباشا الموفد من القسطنطينية الحاكم الشكلي، بينما كان المماليك قد استعادوا نفوذهم وأصبح زعماؤهم الحاكمين الفعليين. وأبعد من ذلك غربًا، نشأت، بفضل نفوذ الميليشيا، أسر حاكمة محلية اعترفت بها الحكومة المركزية. وقد أدى هذا التغير، بصورة غير مباشرة، إلى ازدياد نفوذ العلماء المحليين الناطقين بلسان أبناء البلاد الأصليين، خاصة في القاهرة وتونس، حيث لعب جامعا وجامعتا الأزهر والزيتونة دور مراكز التجمع. أما في الحجاز واليمن، فقد كان التغير أبعد شأنًا، إذ تجمع النفوذ، خارج المدن الساحلية التي كانت مركز الحكم التركي، في أيدي عائلات محلية استمدت نفوذها من الحرمة التي كان الأتقياء يحيطونها بها، كعائلات أشراف مكة في الحجاز، حراس الأماكن الحرام المنتسبين إلى عائلة النبي، وأئمة الشيعة الزيدية في اليمن.

أما الولايات السورية والعراقية، فقد جعل ارتباطها بالحكومة المركزية أوثق، على الأقل في أوج المجد العثماني، إذ كان لها من الأهمية ما لم يسمح لها بالتفلت: فدمشق كانت مركز تنظيم الحج، أعظم مظهر من مظاهر السنة العثمانية، وحلب مركز التجارة الدولية، وبغداد قاعدة الدفاع عن حدود الإمبراطورية ضد الفرس. إنما لم يكن بالفعل واقعًا تحت سلطة الدولة إلا المدن الكبرى والساحل ووديان الأنهار والسهول المجاورة للمدن. أما في جبل لبنان وشمالي فلسطين وفي الكردستان شمالي العراق، فقد تركت دفة الأمور في أيدي أسر محلية، كان بعضها قد اكتسب ولاء سكان الوديان قبل الفتح العثماني. غير أن حريتها لم تكن خالية تمامًا من القيود. فقد كان عليها أن تدفع الجزية، وأن لا تتخطى حدودها إلى السهول. وكان حكام الولايات المحيطة بها يراقبونها بصورة خفية. إلا أن سلطتها كانت، ضمن هذه الحدود، مقبولة لا بل معترفًا بها. أما في كردستان، التي كانت قد وقعت في أيدي العثمانيين في القرن السادس عشر، فقد عقدت الحكومة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015