كواقع كرسته سيطرة العنصر العربي في بدء التاريخ الإسلامي. أما العلاقة بين الإسلام والقومية المصرية. فلا يستطاع إدراكها بمثل هذه السهولة: ذلك أن فكرة الأمة المصرية، ككيان ذي وجود سياسي منفصل، تقتضي إنكار وحدة الأمة الإسلامية سياسيًا، لا بل القول بإمكان قيام مجتمع فاضل على غير الأساس المشترك الذي وضعه الدين والشريعة المنزلة. ومما أدى إلى جعل هذه العلاقة بين الإسلام والقومية المصرية أمرًا ملحًا ومتأزمًا، الوضع الذي صارت عليه مصر وبعد الاحتلال البريطاني في 1882. إذ عمد البريطانيون إلى صهر النزعة الإسلامية العصرية في القومية المصرية، فنشأت عن ذلك، كما سنرى، فكرة قومية أنشأها وقادها أحد معاوني محمد عبده المقربين، ثم لم تلبث في أثناء تطورها أن تخلت عن مبدأ الإمام الأول.

لم يقم بالفعل، أي نزاع حول هذه الفكرة في مراحلها الأولى، فقد كان العلماء، وهم الذين تزعموا ثورة القاهرة ضد بونابرت في 1798، ثم دعموا محمد علي في 1805، يتصرفون كزعماء الرأي العام في البلاد. لكن الدافع الذي حركهم، إذ ذاك، لم يكن فكرة الأمة القومية بمفهومها الصريح. إذ كانت فكرة الجماعة الإسلامية تسير جنبًا إلى جنب مع فكرة القومية المصرية، حتى في ذهن الطهطاوي بعد ذلك بجيل، دون أن يشعر بالتناقض المحتمل بينهما. فقد أصر، كأمر مفروغ منه، على وجود ولائيين: الواحد تجاه من يدينون بالدين الواحد. والآخر تجاه المواطنين، واعتبر أن من البديهي بقاء سيطرة الشريعة في دولة مصرية، كما في دولة الفقهاء الإسلامية المثلى. لكن فكرة «الوطن» الفرنسية كانت قد انتصرت في مصر بعد وفاته. وكان من مظاهر انتصارها إنشاء إحدى الصحف الكبرى الأولى، في 1877، باسم «الوطن». وعندما وضع حسين المرصفي، أحد أساتذة الأزهر وكبار علماء اللغة فيه، كتيبًا، في 1881، لشرح بعض «المفردات الشائعة على ألسنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015