فَقَالَ: دعوا مَا فِي أيدكم، وَانْصَرفُوا سَالِمين بِأَنْفُسِكُمْ، وَلكم الْفضل، فَإِنَّكُم مننتم على رجل وَاحِد، وَأَنا أَمن على سبعين رجلا، وَإِذا هُوَ قد انقلبت عَيناهُ فِي وَجهه، وَخرج الزّبد من أشداقه، وَصَارَ كَالْجمَلِ الهائج.

فهزأنا بِهِ، وضحكنا عَلَيْهِ، وَلم نلتفت إِلَى كَلَامه، فَأَعَادَ علينا النَّصِيحَة، وَقَالَ: يَا قوم قد مننت عَلَيْكُم، فَلَا تجْعَلُوا لي إِلَى أرواحكم سَبِيلا.

فَزَاد غيظنا عَلَيْهِ، فقصدناه، وحملنا عَلَيْهِ، فانحاز منا، وَرمى بِخمْس نشابات، كَانَت بِيَدِهِ، فَقتل بهَا منا خَمْسَة، وَاحِدًا، وَاحِدًا.

وَقَالَ: إِن جماعتكم تَمُوت على هَذَا، إِن لم تخلوا عَمَّا فِي أَيْدِيكُم.

فَلم نزل ندافعه، وَيقتل منا، حَتَّى قتل ثَلَاثِينَ رجلا، وَبَقِي مَعَه نشاب فِي جعبته.

فَقُلْنَا: أما ترَوْنَ وَيحكم أَنه لم يخط لَهُ سهم وَاحِد؟ وأحجمت الْجَمَاعَة عَنهُ، وأفرجنا عَن الْجمال والقبة، فَصَارَ القطار فِي حوزته.

فتنكس وَنحن نرَاهُ، ففتق عدلا بِسيف أخرجه من رَحْله، وَأخرج مِنْهُ جعبة نشاب، وأراناها، فَلَمَّا رَأينَا مَا صَار إِلَيْهِ من النشاب يئسنا مِنْهُ وولينا عَنهُ.

فَقَالَ: يَا فتيَان، سألتكم هَذَا فَلم تُجِيبُونِي إِلَيْهِ فَمن نزل عَن دَابَّته فَهُوَ آمن، وَمن أحب أَن يكون فَارِسًا، فَهُوَ بِشَأْنِهِ أبْصر.

فشددنا عَلَيْهِ، فَقتل منا جمَاعَة، فاضطررنا إِلَى أَن ترجلنا، فحاز دوابنا وَحده، وساقها قَلِيلا.

ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: أطالبكم بحكمكم، من رمى سلاحه فَهُوَ آمن، وَمن تمسك بِهِ فَهُوَ أبْصر، فرمينا سِلَاحنَا.

فَقَالَ: امضوا سَالِمين آمِنين، فَأخذ جَمِيع السِّلَاح وَالدَّوَاب، وَإِنَّا لندعوها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015