دافعت عنه بشعري إذْ كان في الفداء جحدْ

فكان فيه ما أتاك وفي تسعين أسري مقرنين صفد

دافع قومي في الكتيبة إذ طار لأطراف الظباة وقد

فأصبحوا عند ابن حَفنةَ في الأغلال منهم والحديد عُقَدْ

إذ مُخنبٌ في المُخنبينَ وفي النَّهكة غَيٌّ باديٌ ورشد

فهذه القطعة مما أُدخلت في جملة شعره وهي مختلة الوزن حتى قال بعضهم إنها ليست بشعر. وأنشد ابن إسحق في كتاب السيرة لأمية بن أبي الصلت يبكي زمعةَ ابن الأسود وقتلى بني أسد:

عيني بكِّي بالمُسبِلات أبا الحارث لا تذخرى على زمعه

ابكي عقيل بن الأسودِ أَسَدَ البأسِ ليوم الهياج والدّفَعَهْ

تلك بنو أَسَدٍ إخوةُ الجوزاء لا خانةٌ ولا خدعهْ

وهم الأسرة الوسيطة من كَعبٍ وهم ذروةُ السّنام والقمعهْ

وهم أنبتوا من معاشرٍ شَعَرَ الرأس وهم ألحقوهم المنعهْ

أمسى بنو عمهم إذ حضرَ البأسُ أكبادهم عليهم وجعهْ

وهُمْ هُمُ المطعون إذْ قحط القطرُ وحالت فلا ترى قَزَعَهْ

ولا حجة في ذمّ الجاحظ لهذا العلم، فقد مدحه أيضاً وإنما أراد بذلك إظهار الاقتدار على جمع المدح والذم في شيءٍ واحد فقال في مدحه: هو علمُ الشعر ومعياره، وقطبه الذي عليه مداره، به يُعرف الصحيح من السقيم والعليلُ من السليم، وعليه تبتني قواعد الشعر، وبه يَسلَمُ من الأود والكسر. وإنما يضع من هذا العلم من نبا طبعه البليد عن قبوله ونأى به فهمه البعيد عن وصوله. كما حكى الأصمعي أن اعرابياً مبتدئاً كان يجلس إلى بعض الأدباء وكلما أخذوا في الشعر أقبل بسمعه عليهم، حتى أخذوا في العروض وتقطيع الأبيات ولّى عنهم وهو ينشد:

قد كان إنشادهم للشعر يعجبني ... حتى تعاطوا كلام الزَّنج والرومِ

ولّيت منقلبا والله يعصمني ... من التّقحم في تلك الجراثيمِ

ولما وضع الخليل رحمه الله كتاب العروض، وأعمل فكره في تقطيع الأبيات وفكّ الدوائر دخل عليه أخوه وهو مُكبّ على دائرةٍ خَطّها وجعلها نُصبَ عينيه وهو يعالجُ فكّها بأجزاء التفعيل نادى قومه فقال هلموا فقد جُن الخليل فلمّا فرغ مما كان من ذلك صرف إلى أخيه وأنشد:

لو كنتُ تعلم ما أقول عَذَرءتَني ... أو كنت أجهل ما تقولُ عذَلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتنى ... وعلمت أنك جاهلٌ فعذَرتُكما

وحكى صاحب العقد أن الخليل إنما أَنشد هذين البيتين حين سأله ابن كيسان عن شيءٍ ففكر فيه الخليل يجيبه فلما استفتح الكلام قال ابن كيسان: لا أدري ما تقول، فأنشده إياهما. ورأيت في كتاب ((الزينة)) أن بعض أهل العلم ذكر أن الخليل أخذ رسم العروض من أصحاب محمد بن على ومن أصحاب علي بن الحسين. انتهى هذا الفصل الخاتم بفَصِّه وانقضى سَوقُ الحديث على نصه. فلنعد إلى كلام الناظم رحمه الله تعالى.

القوافي وعيوبها

أقول: جرت عادةُ أكثر العروضيين بأن يذكروا علم القوافي بعد علم العروض لأنه كالرديف له، وبينهما شدةُ اتصال واشتباك، لكن قال بعضهم إن علم القوافي علم جليل لا يصلح أن يجعل علاوةً على العروض حتى قال ابن جنى: علمُ القوافي وغنْ كان متصلاً بالعروض وكالجزء منه لكنه أدق وألطف من علم العروض. والناظر فيه محتاجٌ إلى مهارة في علم التصريف والاشتقاق والغة والإعراب. قلت: وعلى تقدير تسليم ذلك كلّه فالنظر فيه متأخرٌ عن النظر في العروض ضرورة أن القافية إنما يُنظر فيها من حيث هي منتهى بيت الشعر، فلما لم يتحقق كونُ اللفظ الذي هي آخره شعراً لم يتأتَّ النظر فيها، فلا جرمَ جعلوا الكلام عليها متأخراً عن الكلام فيه، فتأمل. قال:

وقافيةُ البيت الأخيرة بلْ من المحرك قبل الساكنين إلى انتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015