فقوله ((غزارن)) هو العروض، وقوله ((عصييو)) هو الضرب، وزن كل منهما فعولن. كان أصله مفاعلتن فقطف بحذف سببه الخفيف وهو ((تن)) وإسكان المتحرك قبله وهو اللام، فبقي مفاعلْ فنقل إلى فعولن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لنا غنم)) وزعم أبو الحكم أنه شذ في هذه العروض القبض وانشد شاهداً عليه:

علوتَ على الرجال بخلتينِ ... ورثتهما كما ورث الولاء

قال: ولا يجوز تمكين الحركة حتى ينشأ عنها حرف اللين كما مر في البسيط. واعترضه الصفاقسي ببطلان دعوي الشذوذ لكثرة مجيء ذلك فيها. قال:

أبي الإسلام لا أبَ لي سواه ... إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

وقال:

عسى الكربُ الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريبُ

وقال:

تخيرهُ ولم يعدلْ سواهُ ... فنعم المرء من رجلٍ تهامى

وقال:

ذعرت به القطا ونضيت عنهُ ... مقام الذنب كالرجل اللعين

وقال:

إذا أمسى يلمسُ منكبيه ... تفقد لحمه حذر الهزال

وقال:

أوليت العراق ورافديه ... فزاريّا أحذَّ يدِ القميصِ

وقال:

إذا لم تستطع أمراً فدعهُ ... وجاوزه إلى ما تستطيع

وقال:

تظلُّ الشمس كاسفةً عليه ... كآبةَ أنها فقدت عقيلا

وقال:

يرجّى المرء ما إن لا يراه ... وتعوض دون أدناه الخطوبُ

قال: ومن كثير. قلت: لكنه لا ينهض مع كثرته رداً على أبي الحكم، وذلك لان جميع ما استشهد به يجوز فيه لتمكين نظماً ونثراً دون شذوذ ولا اختصاص له بعروض ولا ضرب، بل ولا بالنظم أصلاً ورأساً. وأما تمكين مثل ((خلتين)) في فصيح الكلام فممتنع نظماً ونثراً. نعم يجوز تمكينه في الضرب لإطلاق الروي، وفي العروض بشرط التصريع، وإن مكّن على غير هذا الوجه فللضرورة على شذوذ فيه. فأين هذا الذي ردّ به الصفاقسي مما أراده أبو الحكم. ثم قال: فالذي ينبغي أن يقال: تمكين حركة العروض جائز من غير شذوذ. قلت: بل هو شاذ قطعا كما عرفتَ، ولا دليل في شيءٍ مما أنشده. نعمٌ القول بقبضها شيءٌ لم يقل به أحد من العروضيين، والبيت لا ينفك عن شذوذ يلحقه بتقدير التمكين وعدمه. أما على التمكين فلما قدمناه، وأما على تقدير عدمه فلأن هذه العروض لا يدخلها مثل هذا التغيير فيما هو مقرر عند القوم. العروض الثانية مجزوءة صحيحة، ولها ضربان الأول مثلها وبيته:

لقد عَلِمتْ ربيعة أنّ ... حبلك واهنٌ خلقُ

فقوله ((ربيعة أن)) هو العروض وقوله ((هنن خلقو)) هو الضرب، وزن كال منهما مفاعلتن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ربيعة)) .

الضرب الثاني معصوب بالصاد المهملة، وبيته:

أعاتبها وآمرها ... فتغضبني وتعصيني

فقوله ((وآمرها)) هو العروض، وقوله ((وتعصيني)) هو الضرب، كان مفاعلتن فعصب بإسكان اللام ثم نُقل إلى مفاعيلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((تعصيني)) . ويدخل هذا البحر من الزِّحاف العصب وهو حسن، والعقل وهو صالح، والنقص وهو قبيح. فبيت العصب:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيعُ

الأجزاء السباعية كلها معصوبة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ولم تستطع)) . ويحكى أن شخصاً سأل الخليل أن يقرأ عليه علم العروض، فأقام مدة يختلف إليها للقراءة ولم يحّصل شيئاً، فأعيى الخليل أمره، ولم ير أن يواجهه بالمنع حياءً منه، ففال له يوماً وقد حضر للقراءة: قطّع قول الشاعر:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيعُ

ففطن الرجل إلى ما أراده الخليل رحمه الله فانصرف ولم يعد. وأنا أعجبُ لمن يفطن لمثل هذا كيف يصعب عليه فن العروض مع سهولته، والله مقدر الأمور. وبيت العقل:

منازلٌ لِفَرتْنا قفارٌ ... كأنما رسومها سطورُ

وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((سطور)) . وبيت النقص:

لسلامة دارٌ بحفيرٍ ... كباقي الخلق السُّحْق قفارُ

وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((حفير)) . ويدخله في الجزء الأول من البيت العضبُ بالضاد المعجمة، والقصم، والعقصُ، والجمم، وكلها قبيح. فبيت العضب:

إنْ نَزَلَ الشتاءُ بدار قومٍ ... تجنبَ جارَ بيتهم الشتاء

فقوله ((إنْ نزلشْ)) عضب بحذف ميمه فصار فاعلتن، فنقل إلى مفتعلن وأشار إلى هذاالشاهد بقوله! ((إن نزل الشتاء)) . وبيت القصم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015