هذا مقامي قربياً من أخي ... كلُّ امرىء قائمٌ مع أخيه

فقوله ((مع أخيه)) هو الضرب، ووزنه ((فعلتان)) . وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((مقامي)) . وبيت الخبن في العروض والضرب المقطوعين:

أصبحت والشيبُ قد علاني ... يدعو حثيثاً إلى الخضابِ

فقوله ((علاني)) هو العروض وقوله ((خضابي)) هو الضرب، وزن كل منهما فعولن، وهذا هو المسمي عندهم بالمخلع. والمولدون التزموا الخبن في هذه العروض وضربها لحسن ذوقه، وهو من التزام ما لا يلزم. وأشار الناظم إلى هذا الشاهد بقوله ((والشيب قد علاني)) . وأما بيت الخبن في ضرب العروض الثانية المقطوع فلم يشر النلظم إليه بشيءٍ، وانظر هل أشار بقوله ذاك إلى بيته فإن ظفرت ببيت فيه هذه اللفظة فذاك، وبيته الذي انشده العروضييون:

قلت استجيبي فلما لم تُجب ... سالت دموعي على ردائي

قال الشريف: وإنما نبّه الناظم على ما يدخل الأعاريض والضروب هنا وفيما بعد حسب ما تقف عليه من الأبحر ليظهر لك الفرق بين ما يدخل في الأعاريض والضروب وهو غير لازم كما يدخل الحشو، وبين ما لا يدخلها فيكون لازماً سبيله العلل، فما يكون من ذلك لازماً يأتي بشاهده أولاً حيث يأتي بشواهد العلل، وما يكون غير لازمٍ جاء بشاهده آخراً بعد شواهد الزحاف، ألا تراه كيف أتى بشاهد الخبن في العروض الأولى مع العلل أولاً للزومه، وأتى بشاهد الخبن في المخلع آخراً لعدم اللزوم فتأمله. ((تنبيه)) استدرك بعضهم للبسيط عروضيين إحداهما مجزوءة حذّاء مخبونة لها ضربان: ضرب مثلها كقوله:

عجبت ما أقرب الأجلْ ... منّا وما أبعدَ الأمل

وضرب مقطوع مخبون كقوله:

إنّ شواءً ونشوةً ... وخبب البازل الأمون

العروض الثانية مشطورة لها ضرب مثلها كقوله:

إن أخي خالدا ... ليس أخاً واحدا

وأجاز أيضاً استعمال العروض الأولى من البسيط غير مخبونة كقوله:

ولا تكونوا كمن لا يرتجى أوْبُهُ

وكذا أجاز استعمال ضربها الأول غير مخبون كقوله:

وبلدةٍ مجهلٍ تمسي الرياح بها ... لواعباً وهي ناءٍ عرضُها خاويهْ

وهكذا كله شاذ لا يلتفت إليه. وقد جاء في مخلّع البسيط مفعولن مكان فاعلن، وهو أيضاً شاذ كقوله:

فسر بودٍّ أو سِر بكرهٍ ... ما سارت الذُّلل الِّسراعُ

ورأيت بعض المتأخرين يستعمله. وزعم أبو الحكم أنه شذَّ في هذه العروض القبض، وأنشد:

يداه بالجود ضرَّتان ... عليه كلتاهما تغارُ

قال: ولا تمكَّن حركة النون فيبقى القبض لأن التمكين مختص بالضروب، ولا يجوز في الأعاريض إلا بشرط التصريع. قال الصفاقسي: وهذا خطأ، أما أولاً، فلأن ساكن المخلع فيه بقية وتد ولا قبض فيه فلا بد من تمكين الحركة. قلت: لعله نظر إليه باعتبار ما صار إليه، ولا شك أن آخره بحسب الصورة هيئة سبب خفيف فأطلق القبض لذلك. ثم قال: وقوله ثانياً ذلك مختص بالضروب ولا يجوز في العروض إلا بشرط التصريح وهمٌ، بل ورد منه مالا يحصر وأنشد قوله:

سلى إن جهلت الناس عنّا وعنهم ... فليس سواءً عالمٌ وجهولُ

وقوله:

ورجِّ الفتى للخير ما إن رأيته ... على السّنّ خيراً لا يزال يزيد

وأبياتاً كثيرة من هذا النمط. ولا دليل له فيها لأن التمكين فيها فصيح بخلافه في نحو ((ضرتان)) وسيأتي الكلام عليه معه في ذلك. وهنا كملت الدائرة الأولى.

الوافر

أقول: سمي وافراً لوفور أجزائه وتداً فوتداً. قاله الخليل. وقيل: لوفور حركاته باجتماع الأوتاد والفواصل في أجزائه، والكامل وإنْ كان بهذه الصفة إلا أن الوافر حذف من حروفه فلم يكمل لاستعماله مقطوفاً، فهو موفور الحركات ناقص الحروف. قاله الزجاج. وهو مبني في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن. قال:

دنتْ بجدًى فيه لنا غنمٌ به ... ربيعةُ تعصيني ولم تستطع أذى

سطورُ حفيرٍ إن بها نزل الشّتا ... تفاحش لولا خير من ركب المطا

أقول: الدال من ((دنت)) إشارة إلى أنه البحر الرابع، والباء من ((بجدى)) إشارة إلى أن له عروضين، والجيم إشارة إلى أن له ثلاثة أضرب. العروض الاولى مقطوفة لها ضرب واحد مثلها وبيته:

لنا غنمٌ نسوّقها غزارٌ ... كأن قرون جلتها عصى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015