وكلما أدرك الفلاسفة العظام ذلك العنصر الاسمي في طبيعة الانسان، ونعني نشاط الروح، واجهتهم صعاب لا تواجه من هم أقل منهم تفكيرا. فهم إذا قالوا بخلود الروح صعب عليهم ان يحددوا مكانا لهذه الروح الخالدة. والشخص العادي يفكر بالطبع في الجنة كمكان، ويتصور الطرق الذهبية والابواب المصنوعة من اللؤلؤ. واذا كان مال الروح بعد انطلاقها هو الجنة، فان الإنسان بالبداهة قد يسأل: (واين الجنة؟ وكم تبعد عنا؟) . اما الفيلسوف الذي له روح واعية، فانه لابد ان يخطر له ان الجنة ليست (مكانا) بالمعنى الذي يفهمه البشر، ولكنها اعجب كثيرا من ان تدركها عقولنا المحدودة، ومثل ذلك يقال عن الخلود واللانهائية. وفي الحق قد نضطر، حيال احتياجنا إلى تجرة بشرية تهدينا. إلى ان نظن ان الجنة قد تكون الفضاء نفسه!

وبالطبع قد يكره كل إنسان أو يخاف، فكرة كونه ساكنا وحيدا للفضاء.. وقد يتنبه العالم إلى انه إذا ارادت روحه ان تصل إلى نقطة في الفضاء، سواء أكانت جزيرة مرجانية أو سديما بعيداً، فان المسافة التي تقطعها، قصيرة كانت أو طويلة، لابد ان تستغرق فترة من الزمن. واذا كانت الرحلة يمكن القيام بها على شعاع من الضوء، فقد تستغرق الف سنة ضوئية للوصول إلى شمس قريبة نسبيا. ومن ثم فان الإنسان المقيد تقييدا شديدا بصلاته المادية البشرية بالبوصات والأميال وسنوات الضوء والزمن، يبدو له ان من غير المعقول ان توجد سعادته في الفضاء الابيض الذي لا حدود له، ولا في الأبدية المجهولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015