العقد المفصل (صفحة 53)

ولمّا فاح خالك وهو مسك ... علمنا حقَّ نهدك كان عاجا

فقم بي نغتبط للهو ربحاً ... فسوق مواسم اللذّات راجا

ومن هذا الباب قوله وأحسن فيه:

نحن قول إذا نظرنا صبونا ... وإذا العشق ملنا ما سلونا

لم نرح من هوىً معافين إلاّ ... وعلى جمرتين منه غدونا

جئت مستعدياً من الحبّ عقلي ... فإذا العقل للصبابة عونا

فتنتنا بحسنها وجناةٌ ... ككؤس الطلا صفاءً ولونا

وجفون رشقننا بنبال ... نحن منها لولا الهوى ما دنونا

يا حياتي بختري وصلينا ... ودعي الغانيات يمشين هونا

وارشفينا من لثتيك رضاباً ... ما مررنا عليه إلاّ حلونا

أفبعداً بعد التداني يميناً ... ليرى الصب بين هذين بونا

وله من قصيدة فريدة:

ما شمت أبهج منظراً ... من وجنة زينت بخال

ممنوعة عن ناظري ... بالبيض والسمر العوالي

رقَّ الفؤاد لها هوىً ... بالله هل رقّت لحالي

ومن ذلك هذه الموشحة الفذَّة في حسنها:

حبّذا ليل به ظبي الصريم ... مسعف والليل والنجم تحلى

وسرى في الربع معتلّ النسيم ... والدجى في غرّة البدر تجلّى

أطربتني روضة قد زانها ... خدّ مَنْ أخجل قدّاً بانّها

والصبا قد سرّحت ريحانها ... وعلى وجنة غنيَّ النديم

فتثنّى مائساً كالغصن دلاّ

من ثناياه الورود ابتسمت ... وبخدّيه البرايا افتتنت

رشأ منه ذكاً قد خجلت ... واستعارت منه ولدان النعيم

حسن الحاظ تروق العين كحلى

أبلج الخد عليه الصدغ رف ... ذو شباب رق أعطافاً وشف

ما ثنى عنّي عطفاً بل عطف ... وهداني بمحيّاه الكريم

نحو نهج في الهوى عزّ وجلاّ

ذو طباع كالصبا في لطفها ... وسجاياه اعجزت عن وصفها

وحمياً راقني في رشفها ... من ثناياه التي تشفي السقيم

برضاب من جنا اليعسوب أحلا

لست أنسى ذلك الربع الحسن ... قرَّ طرفي فيه بالظبي الأغن

من به قدماً حشا قلبي افتتن ... وأنا اليوم على العهد مقيم

مغرم أصبو ولن أسمع عذلا

ومن ذلك قوله من قصيدة أوّلها:

نعم الأنيس الراح للأرواح ... فألفه ألف العيد للأفراح

يا مرسل الأصداغ فوق خدوده ... عجباً سدلت الليل فوق صباح

تصحو ويسكرك الصبا متدلّلاً ... نفسي فدائك من نزيف صاحي

كم رمت وصلك مجهداً بوسيلة ... فقصصت لي المرتاش من أجناحي

وتركتني حيران أختبط الدجى ... لا أهتدي قصداً للحي اللاحي

ريم تدجّج مذرنا متمايلاً ... تيهاً بلدن قناً وبيض صفاح

ومنه قوله وأجاد ما شاء فيه:

غنى النديم فارقص الحببا ... وتصفقت أكوابه طربا

قمرٌ وشمس عقاره ازدوجت ... بالماء حتّى انتجت شهبا

رقّت كرقّته سلافته ... فكأنّه في كأسه انسكبا

عصرت زبيباً ثمّ مازجها ... سرّ الغمام فارجعت عنبا

مثل اللجين القسّ عتقها ... فغدا النديم يديرها ذهبا

نار ولكن في اليد انسكبت ... وطلاً ولكن مائها التهبا

ومن ذلك قوله وفيه حسن التضمين لأنّه ضمن فيه قولهم: الرشف أنقع.

وربّ غرير لم يروع فؤاده ... أخو حنق في روضة الحسن يرتع

يناولني بالراح راحاً وتارة ... يرشّفني من فيه والرشف أنقع

ومنه قوله وأحسن للغاية لتضمينه قول بعضهم: وللناس فيما يعشقون مذاهب.

وبي رشأ غض الشبيبة أهيف ... رقيق الحواشي وهو للحسن سالب

يرقّ لحالي إذ يراني متيّماً ... أليف جوى والقلب منّي ذائب

ينادي بعذّالي دعوه وحبّه ... فللنّاس فيما يعشقون مذاهب

ومنه قوله:

... ومهفهف كلمته ... بلسان من يهوى كلامه

يا مخجلاً بالجيد وال ... عين الكحيلة ريم رامه

ومورد الوجناة غضّ ... القد إذ يثني قوامه

ما هذه السوداء تحرس ... روض خدّك قال شامه

ومن ذلك قوله:

وحبيب طلّق المحيا أسيل ... الخد يثني لصبّه أعطافه

نيقدٌ يعرف النزاهة ممّن ... هام فيه ونسكه وعفافه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015