العقد المفصل (صفحة 52)

وصبغت الرياض حمراً ولكن ... بمذاب من الفؤاد هتون

فهي طوراً تذوي بنار زفيري ... وهي طوراً تزهو بماء شئوني

يا غزالاً تاقت له النفس شوقاً ... لا لغيد من الظباء العين

أنت ليلاي والرصافة نجدي ... وأنا في هواك كالمجنون

ومنه قوله وأبدع فيه:

أنا إنْ همتُ صوبةً بالعذار ... في الغرام العذريّ صحّ اعتذاري

فاحمرار الشقيق يزهو إذا ما ... حفَّ من آس روضة باخضرار

فنجديه مثل ما بفؤادي ... من لهيب تذكية جذوة نار

رشأ تستعير رقّته الخمر ... إذا ما مرّ كالنسيم الساري

كم دموع صبغت فيها أقاح ال ... رمل بعد ابيضاضه باحمرار

وإذا ما أضمرت كتم هواه ... عن عذولي لم يجدني اضماري

كيف يجدي كتمان سرّ غرامي ... ودموعي تنمّ بالأسرار

يا عذولي عَلَى التصابيَّ دعني ... والتصابي إنّ التصابي شعاري

لا تزد في الهوى أواري فإنّي ... عن عيون الورى أواري أواري

بأبي من عصيت فيه اللواحي ... وعصاني على هواه اصطباري

ذو قوام إن مرَّ يخطر راع ال ... صب في لدن قدّه الخطّار

بي رفقاً فلا تزدني أواراً ... إنّ زند الغرام في القلب واري

ومن ذلك أيضاً قوله لا فضّ فوه:

مالقلبي تهزّه الأشواق ... خبّرينا أهكذا العشّاق

كلّ يوم لنا فؤاد مذاب ... ودموع على الطلول تراق

عجباً كيف تدعي الورق وجدي ... ولدمعي بجيدها أطواق

كم لنا في الحمى معاهد أُنس ... والصبا يانع الجنى رقراق

عهد لهو به الليالي ترامت ... ماله عرّست به الأحداق

يالظعن به النياق تهادى ... نهنهي السير ساعة يا نياق

فباحداجك استقلّت ضياءٌ ... آنسات بيض الخدود رقاق

فارحمي يا أميم لوعة صبٍّ ... شفه يوم ذي الأثيل الفراق

كاد يقضي من الصبابة لولا ... أن تحاماه في الوداع العناق

ومنه قوله وقد أغرب فيه:

الصبر غار وأنجد الدمع ... من ناظري فاعشوشب الربع

والقلب حيث نأَى الخليط نأى ... رفقاً به فله الهوى طبع

حتام ترشق باللحاظ حشاً ... ما مسّها لولا النوى صدع

وببانة الجرعاء لي رشأٌ ... باهى ذكاءَ بوجهه الربع

رشأ رشيق القدّ ذو غنج ... أهواه إنْ وصلٌ وإنْ قطع

قمر تباهى الشمس طلعته ... إن أقض فيه هوىً فلا بدع

أُمناي هل من ريق فيك رُقىً ... فلكمْ لصدغك في الحشا لسع

ومن ذلك ما قاله من قصيدة وأجاد فيه:

رشاءٌ يخيط فؤاد عاشقه ... إن خاط بالألحاظ لا الأبر

قمر إذا ما هزَّ قامته ... أزرى بغص البان والقمر

النار في خدّيْه موقدةٌ ... ترمي فؤاد الصب بالشرر

يا ما أحيلا عين ذي غنج ... مكحولة الأجفان بالحور

يا سائقاً ظعن الخليط ضحىً ... رفقاً فإنّ القلب في الأثر

قف بالحمول على ديارهم ... واسئل فهل بالربع من خبر

ومنه قوله مرتجلاً:

أنا لم أنس بالحمى لك عهداً ... ما أحيلا عهد الحمى ما أحيلا

وبذات الأثيل قد ضاع قلبي ... مستفزّاً فلا عدمت الأثيلا

عرصات روضتهنَّ بدمع ... عن دم أفعم المفاوز سيلا

فبها عرّست ركائب لهو ... أركضت في حشا المتيم خيلا

خلِّ عنّي ذكر الدمى وهواها ... ودع الغانيات يسحبن ذيلا

واطوِ يا صاح ما تقادم عهداً ... من أحاديث قيس لبني وليلى

وأعد ذكرهم فقد طال ليلي ... وحديث الغرام يعذب ليلا

ومن ذلك قوله:

أصهباء تروق لنا مزاجا ... مزاجكِ يا صبا نجد مزاجا

أم الروض الأريض سقاه نوءٌ ... من الأنواء فابتهج ابتهاجا

فلو سالت برقتها طباعٌ ... لأفعمنا برقتك الزجاجا

على أنّ المعاطف منك ماجت ... فكنَّ كجدول بالبرد ماجا

مرضنَ بلحظك الأحشاء لكن ... رضا بك كان للمرضى علاجا

أعرت الغص ليناً والحميّا ... عذوبة فيك والقمر انبلاجا

فرفقاً يا رشيق القدّ رفقاً ... فقلبي فيك للزفرات هاجا

ومذ ناسبت لطف الراح كادت ... بك الأرواح تمتزج امتزاجا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015