حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة فهم يرون ظواهر الأمور، دون أن تهديهم بصيرة إلى بواطنها ودون أن يشعروا بالقوة الكامنة في العقيدة، والثقة في اللّه، والتوكل عليه، واستصغار شأن الجموع والقوى التي لا ترتكن إلى عقيدة في اللّه تمنحها القوة الحقيقية .. فلا جرم يظنون المسلمين يومئذ مخدوعين في موقفهم، مغرورين بدينهم، واردين موارد التهلكة بتعرضهم لجحافل المشركين التي يرونها! إن الواقع المادي الظاهر لا يختلف من ناحية مظهره عند القلوب المؤمنة وعند القلوب الخاوية من الإيمان.

ولكن الذي يختلف هو التقدير والتقويم لهذا الواقع المادي الظاهر .. فالقلوب الخاوية تراه ولا ترى شيئا وراءه والقلوب المؤمنة ترى ما وراءه من «الواقع» الحقيقي! الواقع الذي يشمل جميع القوى، ويوازن بينها موازنة صحيحة: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» ..

هذا ما تدركه القلوب المؤمنة وتطمئن إليه وما هو محجوب عن القلوب الخاوية فلا تحسب حسابه! وهذا ما يرجح الكفة، ويقرر النتيجة، ويفصل في القضية في نهاية المطاف في كل زمان وفي كل مكان.

وقولة المنافقين والذين في قلوبهم مرض، عن العصبة المؤمنة يوم بدر: «غر هؤلاء دينهم» .. هي قولة المنافقين والذين في قلوبهم مرض كلما رأوا العصبة المؤمنة تتعرض لجحافل الطاغوت في عنفوانه وعدتها الأساسية التي تملكها هي هذا الدين وهي هذه العقيدة الدافعة الدافقة وهي الغيرة على ألوهية اللّه وعلى حرمات اللّه وهي التوكل على اللّه والثقة بنصره لأوليائه.

إن المنافقين والذين في قلوبهم مرض يقفون ليتفرجوا والعصبة المؤمنة تصارع جحافل الطاغوت، وفي نفوسهم سخرية من هذه العصبة التي تتصدى للخطر، وتستخف بالخطر! وفي نفوسهم عجب كذلك ودهشة في اقتحام العصبة المؤمنة للمكاره الظاهرة، وللأخطار الواضحة .. إنهم هم لا يعرفون مبررا لهذا التهور - كما يسمونه - وللإلقاء بالنفس إلى التهلكة! .. إنهم يحسبون الحياة كلها - بما فيها الدين والعقيدة - صفقة في سوق التجارة. إن كانت ظاهرة الربح أقدموا عليها فأما إذا كان الخطر فالسلامة أولى! .. إنهم لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015