فتهاوت المعاول بعده تعزف خندقًا .. والحناجر تتغنى شعرًا وحماسًا .. وسط هذا الحماس والتفاني .. كنت لا تدري هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم أم هم الذين كانوا معه .. وسط ذلك الجو الشتوي البارد .. خلال ذلك الغبار المنبعث من الخندق .. لا تستطيع تمييز القائد من الأتباع .. أحد الصحابة اسمه سهل بن سعد يقول: (كنّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخندق، وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا) (?) أما البراء بن عازب فيقول: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، ولقد رأيته وارى التراب "شعر" بطنه "وكان رجلًا كثير الشعر") (?).

(كان - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب حتى وارى شعر صدره، وكان رجلًا كثير الشعر، وهو يرتجز برجز عبد الله "بن رواحة":

اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا

إن الأعداء قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا

يرفع بها صوته "أبينا .. أبينا" "يمد صوته بآخرها") (?).

كان - صلى الله عليه وسلم - يحمس من حوله بأبيات الصحابي الشاعر عبد الله بن رواحة .. رافعًا ومادًّا بها صوته .. وكان لا بد من فعل ذلك .. فالجو مشحون بالجوع والبرد والحذر ..

لم يكتف - صلى الله عليه وسلم - بذلك .. كان يذرع المنطقة .. يتفقّد كل شيء .. يحتاط لكل شيء .. ثم يعود لمحاربيه .. يشجّعهم .. يحفر معهم .. يدعو لهم ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015