ولا يراد بالإجماع هنا، ما يوجد في كتب الفقه من القول بالإجماع على أمر من الأمور، بل المراد هو ما قامت الحجة القاطعة على أنه إجماع وبالتالي لا يدخل في ذلك الإجماع السكوتي، ويراد به شيوع رأي مع عدم معرفة ما يخالفه، ولا يدخل في ذلك ما كان محل خلاف على أنه إجماع من عدمه. قال ابن حزم: «الإِجْمَاعُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ المِلَّةِ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَهُ، إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ بِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ» (?).

وقد علق ابن تيمية على ذلك بأن كفر من أنكر الإجماع ليس باعتبار أنه أنكر الإجماع بل باعتبار أنه أنكر ما ثبت من الدين بالضرورة. وحجية الإجماع موضع خلاف، ولم يكفروا النَظَّامَ بإنكار حجيته وإنما كفره من كفره لأمور أخرى، وفي موضع الإجماع اليقيني لا بد من وجود كتاب أو سنة متواترة فيكون منكر الحكم الثابت به غير منكر لحجية الإجماع فقط بل للكتاب أو السنة المتواترة أيضًا.

وابن حزم في كتابه " الإحكام " يقرر أنه لا يتصور إجماع إلا إذا بني على نص بل توقيف من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إما بكلام منه فيقول ولا بد محفوظ حاضر، وإما فعل منه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فهو منقول أيهما، وأما إقراره إذ علمه فأقره ولم يبتكره فهي أيضًا حال منقول محفوظة (?).

والفرق بين ابن حزم وبين الأئمة المشهورة مذاهبهم في هذه المسألة هو أن ابن حزم لا يعتد بالإجماع إلا إذا كان إجماعًا على نص من القرآن أو السنة النبوية وهذا ما يسميه الأئمة بالإجماع اليقيني. وابن حزم ينكر الإجماع المستند إلى القياس والأئمة يعتدون به ويسمى عندهم الإجماع الظني، كما أنهم لا يكفرون من لم يحتج بالإجماع المستند إلى أحاديث الآحاد لأنه إجماع ظني عندهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015