يا أيها الناس اعتبروا بمن فات كيف صار إلى الرفات. وإن منهم من كان يذكر اسمه في حياته بالبركات. فأصبح يذكر باللعنات. ومنهم من كان يحسب في قومه سراجاً وهاجاً. ومنهم من كان يأكل حتى ينتفخ بطنه وتجحظ عيناه، ويتلجلج لسانه وترتخي شفتاه. فصار الآن الدود يأكله. وبعض الحشرات يستوبله يا أيها الناس. وجمهوركم في سباق والباقي في نعاس. فرار من غرور النفس وحدار من قرور الرمس. وبدار إلى تقديم عمل يقربكم إلى الله. ويلأم بعضكم ببعض وأنتم في الحياة. أتموتون وفي قلوبكم الحقد على خصمكم. وفي أفواهكم اللعن على مخالفكم في زمعكم. ألم يقل لكم الحق كونوا يا عباد على الأرض إخواناً فإنكم من أب واحد وأمّ واحدة وأنكم جميعاً لميتون. سواء كنتم ذوي وجوه سمر أو حمر أو صفر أو سود أو بيض أنكم كلكم بشر إنكم كلكم فانون. إنكم ناظرون ولامسون وسامعون وشامون وطاعمون. ما بال الجُليديّ منكم يشنأ اللاجليدي. والحديدي منكم يمقت اليقطيني أفلا تتوادعون. ألم أظهر لكم في طلوع الشمس وغروبها. وفي بزوغ الكواكب ومغيبها. وفي سكون الريح وهبوبها. وفي خمود النار وشبوبها. وفي زخر المياه ونضوبها. وفي صروف الدهر وخطوبه. وهمومه وكروبه. وفي سواد الشعر ومشيبه. وفي هرم الجسم وشحوبه. وفي الأزمان إذا توالت. والأحوال إذا حالت. والدول إذا دالت. وفي الغياض إذا أبهجت. والرياض إذا دبجت. والأشجار إذا أورقت وجردت. والأطيار إذا زقزقت وغردت. وفي اللسان إذ نطق. والقلم إذا مشق. ليس لعمري بين الوحوش الضارية والطيور الكاسرة ما بينكم من العداوة والبغضاء. والضغن والشحناء. اذكروا يوم أن صعد خطيبكم المنبر. وعبس وبسر. وتوعد وتنكر. وخطأ وكفر. وحض على القتال وذمر. ثم دعا فأستغفر واستخار الله وأستبشر فأغرتم على جيرانكم وانتهكتم حرمات إخوانكم وفرقتم بين ورضيعها. والمرأة وضجيعها وبين الأب وولده وسبَدَه ولبده. اذكروا يوم أن حشد رئيسكم إليه أعوانه وهاج أهله وأخدانه على ان يخون سلطانه. وأي خيانة وما ذلك إلا لمخالفته له في الحزر والتقدير والتأويل والتعبير والتخريج والتفسير. اذكروا يوم أن أعلمتم أنفسكم بعلائم الجهاد الجهاد وقلتم هذه حرب الله هذا قتال لرضى رب العباد هذا يوم كسب الثواب والنجاة من العذاب فأفيضوا إلى العدو من البر والبحر واغتنموا عند الله أجر هذا البّر اذكروا يوم أن تنازعتم على لون طعام تأكلونه. وشكل شراب تشربونه ورحضة جسم تغسلونه ونوع فراش تتوسدونه ورقعة ثوب تلبسونه ووجه كلام تعفكونه ومتاع تستعملونه للخلاف في هذه الدنيا فطرتم أم بالخصام والمعادة أمرتم ما بال علماء الرياضة والهندسة والتنجيم لا يختلفون في أدلتهم وأن اختلفوا لم يشبّوا النار لتحقيق نحلتهم وأنتم تشبونها عند كل فرصة تسنح لكم ووهم يسبق إليه فكركم وكان الأولى أن تتواطئوا على رأي واحد كما تواطأ أولئك وإن تُسنوّا لعباد الله مصالحهم لا أن تدخلوهم في هذه الملاحك وتربكوهم في هذه المرابك وأن تهدوهم إلى أقوم المسالك لا أن تلبسوا عليهم في هذه الحوالك. دعوهم يشتغلوا بأسباب معيشتهم ولا تكلفوهم إدراك ما فوق طاقتكم وطاقتهم وأعملوا أنتم أيضاً بأيديكم ساعتين إذا علمتم بألسنتكم النضناضة ساعة وأجمعوا أمركم عند تفرق أهواكم على الألفة والطاعة أنسيتم ما جاء في الزبور الذي به تلهجون وتهذّون وتذبرون وهو قوله ما أحسن الأخوة أن تكن جميعاً في بيت واحد كالدهن النازل على اللحية لحية هارون إلا ولا تحرموا ما حلل الله لكم من الطيبات ولا تتلاوصوا إلى معرفة ما لغيركم من الهفوات ولا تبيعوا أملاك السماوات وأنتم على الأرض من ذوي البطالة والترّهات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015