نعم ألم يكفيهم هذا كله حتى طفق بعضهم يجهَّز على بعض كتائب الحدس والتخمين ويجرّد عليه مقانب الخرص والتزكين. فاقبل منهم على قوم برماح الطعن مشرّعة. وبسيوف اللعن مبضّعة. وبنصال الجدال فائدة مارقة. وبنبال الجلاد صاردة خاسقة. فقال بعض إِلا أن درجات السماء مائة وخمس. فقال غيره إِلا إنها مائة وأربع. فقال آخر لقد كذبتما واستوجبتما قطع اللسان وسمل العينين وسلّ الأنثيين. وإنما هي مائة وست. ثم قام آخر وقال إلا أن دركات سقر ستمائة وست وستون. فقام غيره وقال إلا إنها ستمائة وخمسون. فقال آخر لقد كذبتما وألحدتما وضللتما واستوجبتما غلّ اليدين والرجلين ونتف الشعرين. إنما هي ستمائة وسبع وستون. ثم قام آخر وقال إلا أن قرن الشيطان ثلاثمائة وخمسة وخمسون ذراعاً. فقال آخر هذا إفك واضح، وبهتان فاضح. بل هو ثلاثمائة وستة وخمسون. فقال آخر وكسور. مقال آخر إلا إنه من حديد لكونه ثقيلاً على الناس يعنيّهم فأجابه غيره إلا إنه من ذهب لكونه يضلّهم ويغويهم فقال آخر بل هو من اليقطين لأنه ينمي ثم يذوي. ويكبر ثم يصغر. ويطول ثم يقصر. ثم قام آخر على رأس سلم عالٍ وقال بصوت جهير إلا أن يكون أيها الناس لجليدة ينبغي قطعها بحجر محدّد لا كبير ولا صغير. فقال آخر بل بسكّين ماض لا طويل ولا قصير. فقال آخر لقد سفهتما إنما هي عزيزة علينا، كريمة لدينا. لا يصح قطعها بحجر ولا سكين. ولا خدشها بشيء ولو من رقين. فإنما هي متصلة بالوريد ومنعقدة بالوتين. ومن قطعها فقد كفر. واستوجب نار سقر. فقال آخر بل قطعها واجب فإنها من الزوائد. فاعترضه القائل بعدم القطع أنا لا نرى شيئاً غيرها فما وجه تخصيصها بالقطع. قال بل الشوارب تحفى والأظفار تقلّم. فال ولكنها بعد ذلك تنبت وتلك لا. إنما دليلي القطعي على وجوب القطع عدم نفعها لصاحبها. قال لم يخلق الله شيئاً عبثاً من غير نفع. فال بل خلقك إياك لغير فائدة. قال لا بل أنت مخلوق عبثاً. ثم حشد كلّ من الفريقين بخيله ورجْله. وتلاقى كل من الجيشين بسلاحه ومحله. فمن بين قارع بحد الحسام، ورامِ بالسهام، وباطش بيده وقاذع بلسانه. وهائجٍ بقلمه. فالرؤوس متناثرة. والدماء جارية والأعضاء متطايرة. والعرض مهتو والحرمات مهتكة والمال مسلوب والديار مخربة. والحزازات في الصدور كامنة. والمشاحنة ظاهرة وباطنة. والخيل مسرجه. والكماة مدججة والطرق معطلة. والأرض ممحلة. والفرص للانتقام مرقوبة. والدعوات في الليالي مشوبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015