الزهره (صفحة 64)

تسحب علَى صرفِ اللَّيالي ولا تُرعْ ... فجُرمكَ منْسيٌّ وحبُّكَ لابثُ

وكلُّ أذًى تأتيهِ كيْما تُملَّني ... فذاكَ علَى ألاَّ أملَّكَ باعثُ

وقال الحسين بن الضحاك:

كأنِّي إذا فارقْتُ شخصَكِ ساعةً ... لفقدكِ بينَ العالمينَ غريبُ

وقد رمتُ أسبابَ السُّلوِّ فخانَني ... ضميرٌ عليهِ من هواكِ رقيبُ

فما لي إلى ما تشتهينَ مُسارعٌ ... وفعلُكِ ممَّا لا أحبُّ قريبُ

أغرَّكِ صفحي عنْ ذنوبٍ كثيرةٍ ... وغضِّي علَى أشياءَ منكِ تُريبُ

كأنْ لم يكنْ في النَّاسِ قبلي مُتيَّمٌ ... ولم يكُ في الدُّنيا سواكِ حبيبُ

إلى الله أشكو إذْ ذُكرتِ فلمْ يكنْ ... بشكوايَ من عطفِ الحبيبِ نصيبُ

وقال محرز العكلي:

يظلُّ فؤادي شاخصاً من مكانهِ ... وراء الغواني مُستهاماً مُتيَّما

إذا قلتُ ماتَ الشَّوقُ منهُ تنسَّمَتْ ... لهُ أرْيحيَّاتُ الصِّبى فتنسَّما

وقال آخر:

لعمرُكَ ما يدري غُنيُّ بنُ مالكٍ ... لَعلَّ الهوَى بعدَ التَّجلُّدِ قاتلُهْ

وما تُحدِثُ الأيَّامُ والدَّهرُ لمْ تزلْ ... لِلَيلى كثيراتُ الهوَى وقلائلُهْ

وقال قيس بن ذريح:

وإنِّي وإنْ أزمعْتُ عنها تجلُّداً ... علَى العهدِ فيما بيننا لَمقيمُ

إلى الله أشكو فقدَ لُبنى كما شكا ... إلى اللهِ فقدَ الوالديْنِ يتيمُ

ولبعض أهل هذا العصر:

أبى لي الوفاءُ دوامَ الجفا ... وحلَّ الحنينُ عديمَ العزا

قعدْتُ إلى الوصلِ مُستعطفاً ... وقدْ كنتُ قبلُ شديدَ الإبا

وإنِّي لَفي طولِ كتْمِ الهوَى ... وستْريهِ عنكَ بفرطِ الجفا

كمنْ ينفخُ البوقَ مُستخفياً ... ويضربُ بالطَّبل تحتَ الكِسا

فيا قلبُ ويحكَ كُنْ حازماً ... إذا تاهَ رامَ سبيلَ النَّجا

ولا تكُ ذا عزمةٍ جاهلاً ... إذا ما اعتدى لجَّ في الاعتدا

فسلِّ الحُقودَ برعْيِ العُهودِ ... وداوِ الجفاءَ برعْيِ الوفا

فأوجعُ منْ حملِ عتبِ الصَّفا ... زوالُ الصَّفاءِ وقطعُ الإخا

فسامحْ هواكَ وكنْ مُدنفاً ... أحبَّ الدَّواء لحبِّ الشِّفا

وأنشدني أحمد بن يحيى لمجنون بني عامر:

وداعٍ دعا إذْ نحنُ بالخيْفِ منْ مِنًى ... فهيَّجَ أطرابَ الفؤادِ وما يدري

دعا باسمِ ليلَى غيرِها فكأنَّما ... أطارَ بليلى طائراً كانَ في صدري

وزادني غيره:

عرضْتُ علَى قلبي العزاءَ فقال لي ... منَ الآنِ فاجزعْ لا أغرُّكَ بالصَّبرِ

فهذا على كلِّ حال أقرب إلى درجة الكمال لأنه إنَّما يخبر أنَّ اشتياقه ظهر بعد أن كان كامناً وأنَّه عرض على قلبه العزاء فأبى عليه إلاَّ الوفاء وظهور الشَّوق بعد كمونه أحسن من رجوع العشق بعد سكونه وفي هذا المعنى الَّذي اخترناه.

يقول امرؤ القيس:

سمَا لكَ شوقٌ بعدَ ما كانَ أقصرَا ... وحلَّتْ سُليمى بطنَ خبتٍ فعرْعرَا

كنانيَّةٌ باتتْ وفي الصَّدرِ ودُّها ... مجاورةَ النُّعمانِ والحيَّ يَعمرا

وفي ضده هذا المعنى الَّذي ذممناه بقول الملتمس:

صبَا مِنْ بعدِ سلوتهِ فؤادِي ... وأسمحَ للقرينةِ بالقيادِ

كأنِّي شاربٌ يومَ استقلُّوا ... وحثَّ بهم إلى الموماةِ حادِي

عُقاراً عتِّقتْ في الدَّنِّ حتَّى ... كأنَّ حُبابها حدقُ الجرادِ

وقال البحتري:

عنانِي مِنْ صدودكِ ما عنانِي ... وعاودَني هواكِ كما بدانِي

وذكَّرني التَّباعدُ ظلَّ عيشٍ ... لهوْنا فيهِ أيَّامَ التَّداني

أُلامُ علَى هوَى الحسناءَ ظلماً ... وقلبي في يدِ الحسناءِ عانِي

وأنشدني أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي لزياد بن منقذ:

لا حبَّذا أنتِ يا صنعاءُ مِنْ بلدٍ ... ولا شعوبُ هوًى منَّا ولا نقمُ

وحبَّذا حيثُ تُمسي الرِّيحُ باردةً ... وادِي أُشيَّ وفتيانٌ بهِ هُضمُ

ألموسعونَ إذا ما جرَّ غيرهمُ ... علَى العشيرةِ والكافُونَ ما جرَموا

لمْ ألقَ بعدهمُ قوماً فأخبرهمْ ... إلاَّ يزيدهمُ حبّاً إليَّ همُ

مُخدَّمونَ ثقالٌ في مجالسهمْ ... وفي الرِّجالِ إذا صاحبتهمْ خدمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015