لأن الله - عز وجل - لم يَنْسِبْ شَيْئًا من الكلامِ كُلِّهِ إلى نفسه أنه كَلاَمُهُ غَيْرَ القُرآنِ، وما أنزل على رسله، فإن قَد تَمَّ كَلاَمُكُم ولزمتموه؛ لَزِمَكُم أنْ تُسَمُّوا شِعرًا، وجميعِ الغِنَاءِ والنَّوْحِ وكَلاَمِ السِّبَاعِ والطَّيْرِ والبَهَائِم؛ كلامَ اللهِ، فهذا ما لا يختلفُ المُصَلُّونَ في بُطُولِهِ واستِحَالَتِهِ، فَمَا فَضْلُ القرآنِ إذًا عِنْدَكُم علَى الغِناءِ والنوحِ والشعرِ، إِذْ كَانَ كُلُّه -في دعواكم- كَلامَ اللهِ؟!

فكيف خُصَّ القُرآنُ بِأَنَّهُ كلام الله، ونُسِبَ كُلُّ كلامٍ سِوَاهُ إلى قَائِلِه، فَكَفَى بِقَوْمٍ ضَلالاً؛ أن يَدَّعُوا دَعْوَى لا يَشُكُّونَ (?) الموحِّدُونَ في بطوله واستحالته.

ومما يزيدُ دعواكُم تكذيبًا واستحالةً، ويزيدُ المؤمنينَ بِكلامِ الله إيمانًا وتصديقًا؛ أن الله - عز وجل - قد مَيَّزَ بَيْنَ مَنْ كَلَّمَ مِنْ رُسُلِهِ (?) وبين مَنْ لم يُكَلِّم، ومَنْ يُكَلِّمُ مِنْ خَلْقِهِ في الآخرة، ومَنْ لم يُكَلِّم، فقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253]، فَمَيَّزَ بين من اختصَّهُ بكلامِهِ، وبين مَنْ لم يُكَلِّمْهُ، ثم سَمَّى ممن كَلَّمَ؛ موسى فقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} [النساء: 164]، فلو لم يكلمه بنفسه إِلا عَلى تَأْوِيلِ ما ادَّعَيْتُم، فما فَضْلُ ما ذَكَرَ اللهُ مِنْ تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ على غيره ممن لم يكلمه؟! إِذْ كُلُّ الرُّسُلِ في تكليم الله إياهم مثل موسى، وكُلٌّ عندكم لم يسمع كلام الله.

فهذا محالٌ مِنَ الحُجَجِ، فضلا أن يكون ردًّا لكلام الله، وتكذيبًا لكتابه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015