نوح عليه السلام إذ قال: إنه كان عبداً شكوراً. . . ونزيد هذا توكيداً وتبييناً بإيراد كلمة الراغب في الذّريعة، قال

الراغب - مع شيءٍ من التصرف -: الشكر تصوُّر المُنْعَمِ عليه النِّعمةَ، وإظهارُها، ويضادُّه الكفرُ، وهو - أي الكفر - من كفر الشيء: غطّاه، ودابةٌ شكور: أي مظهرةٌ بسِمَنِها إسْداءَ صاحبِها إليها؛ وقيل: أصله من عينٌ شكرى: أي ممتلئة، فالشكر هو: الامتلاء من ذكرِ المُنْعَم عليه المُنعِمَ، ومن هذا الوجه قيل: هو أبلغ من الحمدِ، لأن الحمد ذكر الشيء بصفاته، والشكر: ذكرُ الشيء بصفاته وبنعمه، فالشكر على ثلاثة أضرب: شكرٌ بالقلب، وهو تصوّر النعمة، وشكر باللسان، وهو الثناء على المُنْعِم، وشكر بسائر الجوارح، وهو مكافأتُه بقدر استحقاقِه، وهو أيضاً باعتبارِ الشاكرِ والمشكور: ثلاثة أضرب: شكر الإنسان لمن هو فوقَه، وذلك يكون بالخدمة والثناء والدعاء، وشكرٌ لنظيره، وهو بالمكافأة، وشكرٌ لمن هو دونه، وهو بالثواب والإفضال. وشكر العبد لله سبحانه هو: معرفةُ نعمته وحفظ جوارحه بمنعها من استعمال ما لا ينبغي. ثم قال: وشكر المنعم في الجملة واجبٌ بالعقل، كما هو بالشرع، - وهذه مسألةٌ كلامية انظرها في كليات أبي البقاء، - وأوجبُها شكرُ الباري تعالى، ثم شكر من جعلَه سبباً لوصول خيرٍ إليك على يدِه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا يشكرُ اللهَ من لم يشكرِ الناس)، قال: وقال بعضهم: كلُّ نعمةٍ يمكن شكرُها إلا نعمةَ الله، فإن شكرَ نعمته نعمةٌ منه، فيحتاج العبدُ أن يشكرَ نعمةَ الشكر، كما شكر أصل النعمة، وهكذا حتى يؤدّي ذلك إلى ما لا يتناهى، ومن هذا أخذ الشاعرُ الذي يقول:

إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نِعمةً ... عليَّ له في مِثْلِها يَجِبُ الشُكرُ

فكيف بُلوغُ الشّكرِ إلا بفَضْلِه ... وإن طالَتِ الأيّامُ واتّصَلَ العُمْرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015