وهمي فخرجت من بلدي متوجها إلى ربي عزوجل أسأله سلامتي وتبليغي، حتى قدمت بغداد فشاهدت من غلظ الأمر واحتداده أضعاف ما كان يصل إلي، ففزعت إلى ربي أدعوه وأتضرع إليه راغبا وراهبا، واضعا له خدي، وباسطا إليه يدي، أسأله إرشادي وتسديدي، وتوفيقي ومعونتي، والأخذ بيدي وأن لا يسلمني ولا يكلني إلى نفسي، وأن يفتح لفهم كتابه قلبي، وأن يطلق لشرح بيانه لساني، وأخلصت لله عزوجل نيتي ووهبت له نفسي، فعجل تبارك وتعالى إجابتي، وثبت عزمي، وشجع وفتح لفهم كتابه قلبي، وأطلق به لساني، وشرح به صدري، فأبصرت رشدي بتوفيقه إياي، وأنست إلى معونته ونصره وتأييده ولم أسكن إلى مشاورة أحد من خلق الله في أمري، وجعلت أستر أمري وأخفي خبري عن الناس جميعا ((خوفا)) من أن يشيع خبري، ويعلم بمكاني، فأقتل قبل أن تسمع كلامي، فأجمع رأي على إظهار نفسي وإشهار قولي ومذهبي على رؤوس الخلائق والأشهاد، والقول بمخالفة أهل الكفر والضلال والردة عليهم وذكر كفرهم وتبيين ضلالتهم، وأن يكون ذلك في مسجد الجامع في يوم الجمعة، وأيقنت أنهم لا يحدثوا علي حادثة، ولا يعجلون علي بقتل وغيره من العقوبة بعد إشهاري نفسي، والنداء بمخالفتهم على رؤوس الخلائق إلا بعد مناظرتي والاستماع مني. (وكان ذلك كله بتوفيق الله عز وجل لي، ومعونته إياي) .

قال عبد العزيز بن يحي: "وكان الناس في ذلك الزمان وذلك الوقت في أمر عظيم، قد منع الفقهاء والمحدثون والمذكرون والداعون من القعود في الجامعين ببغداد وفي غير هما من سائر المواضع، إلا بشر المريسي وابن الجهم، ومن كان موافقا لهما على مذهبهما، فإنهم كانوا يقعدون يعني (الجهم بن صفوان الذي به تعرف الجهمية،1 يجتمع الناس إليهم فيعلمونهم الكفر والضلال، وكل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015