مثل العروس، حتى إذا راق الليل، جاء نائب الوالي فقال: «باسم الله»، فبقوا يودّعونه ويبكون ويدعون عليهم بدعاء مختلف، أقله أن يسلبه الله نعمته.

وركب على باب الحبس، فقال له إنسان: «يا سيدي هذا مقام الصبر». فقال له: «بل هذا مقام الحمد والشكر، والله إنه نازل على قلبي من الفرح والسرور شيء لو قُسِم على أهل الشام ومصر لفضل عنهم، ولو أن معي في هذا الموضع ذهبًا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها».

وخرج من باب سعادة، وركبنا في البحر إلى ذلك البر فَلقِيَنا أميرٌ يقال له بدر الدين طبر أمير عَشَرة مقدّم مائة، فمنعنا من السفر مع الشيخ وقال: ما معي مرسوم أن يجيء أحد مع الشيخ فقال الشيخ: «يا إبراهيم انزل إلى الشام، وقل لأصحابنا: وحق القرآن - ثلاث مرات - مابقيت هذه المحنة تبطئ، وتنفرج قريبًا فوق مافي النفوس، ويقلب الله مملكة بيبرس أسفلها أعلاها، وليجعلنّ الله أعز من فيها أذل من فيها»

فلما رجعنا بعد أن ودَّعناه انكسر في تلك الليلة البحر، ونقص الماء، وغلا الخبز وغيره، ومابقي شيءٌ لتقى، وبقيت الناس تلعنهم ويقولون: غرَّقوا ابن تيمية في البحر، مابقي يطلع، فطلع جماعة من أكابر إسكندرية وصلحائها التقوا الشيخ، وقعد في البرج الأخضر حتى طلع السلطان الناصر من الكرك، وهرب بيبرس من السلطنة وسيَّر بطلبه مكرَّمًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015