- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إِذَا كَانَتِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ؛ فَمَا الجَوَابُ عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِيْ فِيْهَا الاسْتِعَاذَةُ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِحُضُوْرِهِ أَيْضًا - دُوْنَ إِنْكَارٍ مِنْهُ عَلَى المُسْتَعِيْذِ بِهِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيْثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ (أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَقَالَ: أَعُوْذُ بِرَسُوْلِ اللهِ، فَتَرَكَهُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاللهِ؛ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ)، قَالَ: فَأَعْتَقَهُ). (?)

الجَوَابُ:

قَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ تَجُوْزُ إِذَا تَحَقَّقَتْ ثَلَاثَةُ شُرُوْطٍ، وَهِيَ كَوْنُ المَدْعُوِّ أَوِ المُسْتَعَاذِ بِهِ حَيًّا؛ حَاضِرًا أَمَامَهُ؛ قَادِرًا عَلَى مَا أُعِيْذَ بِهِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ فَلَا مَحْذُوْرُ فِي ذَلِكَ، وَيَكُوْنُ الأَخْذُ بِهَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ المَأْذُوْنِ بِهَا. (?)

وَلِذَلِكَ لَا تَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ أَنَّ أَحَدًا:

أ- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ.

ب- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ.

ج- اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ البَشَرُ.

وَأَمَّا بِخُصُوْصِ نَفْسِ الحَدِيْثِ؛ فَالغُلَامُ اسْتَعَاذَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا رَآهُ - لِيَنْجُوَ مِنَ العَذَابِ؛ وَلَيْسَ حَالَ غِيَابِهِ - لِاعْتِقَادِهِ قُوْةً ذَاتِيَّةً فِي النَّفْعِ أَوِ كَشْفِ الضُّرِّ فِيْهِ! -، وَدَلَّ لِذَلِكَ لَفْظُ الحَدِيْثِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (?)؛ وَفِيْهِ (بَيْنَا رَجُلٌ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ - وَهُوَ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللَّهُ -؛ إِذْ بَصُرَ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعُوْذُ بِرَسُوْلِ اللهِ).

- فَائِدَةٌ) أَمَّا وَجْهُ تَرْكِ أَبِي مَسْعُوْدٍ لِضَرْبِ الغُلَامِ عِنْدَ الاسْتِعَاذَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَرَكَهُ عِنْدَ الاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ تَعَالَى - هُوَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْقِلْ مَا حَوْلَهُ مِنَ الكَلَامِ لِشِدَّةِ الغَضَبِ؛ فَلَمَّا رَآى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ - كَمَا فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ -؛ وَفِيْهِ قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ البَدْرِيُّ: (كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ؛ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ). فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ؛ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ). قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ)، فَقَالَ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ؛ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ). فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا).

قَالَ القَاضِي عِيَاضُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِكْمَالُ المُعْلِمِ شَرْحُ مُسْلِمٍ): (فَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْ إِسْتِعَاذَتَهُ الأُوْلَى لِشِدَّةِ غَضَبِهِ؛ كَمَا لَمْ يَسْمَعْ نِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ، أَوْ يَكُوْنُ لَمَّا اسْتَعَاذَ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَبَّهَ لِمَكَانِهِ). (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015