الشَّرْحُ

- هَذَا البَابُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى بِبَابِ (النَّهْيُ عَنْ ظَنِّ السُّوْءِ بِاللهِ تَعَالَى).

- مُنَاسَبَةُ هَذَا البَابِ لِكِتَابِ التَّوْحِيْدِ: أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ مِنْ وَاجِبَاتِ التَّوْحِيْدِ، وَسُوْءَ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنَافِي التَّوْحِيْدَ (?)، وَفي الحَدِيْثِ (لَا يَمُوْتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). (?)

- قَوْلُهُ تَعَالَى {يَظُنُّوْنَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ}: فُسِّرَ هَذَا الظَّنُّ كَمَا فِي سُوْرَةِ الفَتْحِ {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُوْلُ وَالمُؤْمِنُوْنَ إِلَى أَهْلِيْهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوْبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُوْرًا} (الفَتْح:12) وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّ المُشْرِكِيْنَ لَمَّا ظَهَرُوا تِلْكَ السَّاعَةِ ظَنُّوا أَنَّهَا الفَيْصَلَةُ، وَأَنَّ الإِسْلَامَ قَدْ بَادَ وَأَهْلَهُ.

- إِنَّ ظَنَّ السَّوْءِ الَّذِيْ ظَنَّهُ المُنَافِقُوْنَ هُوَ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:

1) أَنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُ رَسُوْلَهُ، وَإِنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ.

وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ إِرْسَالَ الرَّسُوْلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَبَثٌ وَسَفَهٌ، فَمَا الفَائِدَةُ مِنْ أَنْ يُرْسَلَ رَسُوْلًا وَيُؤْمَرَ بِالقِتَالِ وَإِتْلَافِ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ؛ ثُمَّ تَكُوْنَ النَّتِيجَةُ أَنْ يَضْمَحِلَ أَمْرُهُ وَيُنْسَى؟ فَهَذَا ظَنُّ سَوْءٍ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَا سِيَّمَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِيْ هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّيْنَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ شَرِيْعَتَهُ سَوْفَ تَبْقَى إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ} (الصَّف:9)، وَهَذَا الظَّنُّ أَيْضًا تَكْذِيْبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُوْمُ الأَشْهَادُ} (غَافِر:51)، وَلَا رَيْبَ أَنَّ التَّكْذِيْبَ لِوَعْدِ اللهِ كُفْرٌ.

2) أَنَّ مَا أَصَابَهُم لَمْ يَكُنْ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، فَهُوَ إِنْكَارٌ لِلقَدَرِ، وَهَذَا رَدٌّ لِرُكْنِ الإِيْمَانِ السَّادِسِ.

3) إِنْكَارُهُم لِلحِكْمَةِ، وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ بِاللهِ وَضَلَالٌ، فَمَنْ أَنْكَرَهَا كَفَرَ بِاسْمِ اللهِ الحَكِيْمِ، وَمَنْ أَوَّلَهَا فَقَدْ ضَلَّ.

- لَا يَسْلَمُ مِنْ ظَنِّ السَّوْءِ بِاللهِ إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ وَأَسْمَائَهُ وَصِفَاتِهِ.

وَاَللهُ جَلَّ وَعَلَا (يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَأَمَّا الدِّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيْهِ إِلَّا لِمَنْ يُحِبُّ). (?)

فَلَيْسَ إِنْزَالُ النِّعَمِ أَوِ النِّقَمِ دَلِيْلًا عَلَى المَحَبَّةِ أَوْ عَلَى البُغْضِ وَالكَرَاهَةِ، وَإنَّمَا هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ، فَقَدْ يَبْتَلِي اللهُ مَنْ يُحِبُّهُ بما يَسُوْءُهُ، وَقَدْ يُنْعِمُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِيْنٌ} (آل عِمْرَان:178). (?) (?)

قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (?):

(فَلَا تَجْزَعْ وَإِنْ أَعْسَرْتَ يَوْمًا ... فَقَدْ أَيْسَرْتَ فِي الزَّمَنِ الطَّوِيْلِ

وَلَا تَيْأَسْ فَإِنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ ... لَعَلَّ اللهَ يُغْنِي عَنْ قَلِيْلِ

وَلَا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ ... فَإِنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَمِيْلِ). (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015