- فِي حَدِيْثِ أَنَسٍ الثَّاني بَيَانُ تَفَاضُلِ الثَّوَابِ بِتَفَاضُلِ الابْتِلَاءِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (أشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسْبِ دِيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِيْنِهِ صُلْبًا؛ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِيْنِهِ رِقَّةٌ؛ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ دِيْنِهِ، فَما يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيْئَةٌ). (?)

وَفِيْهِ بَيَانُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي العَبْدَ بِمَا يُطِيْقُ، وَقَرِيْبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البَقَرَة:286).

- وَلَا بُدَّ مِنَ العِلْمِ أَنَّ هَذَا الحَدِيْثَ المَقْصُوْدُ بِهِ الحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى البَلَاءِ بَعْدَ وُقُوْعِهِ لَا التَّرْغِيْبُ فِي طَلَبِهِ، وَذَلِكَ لِوُرُوْد النَّهْي عَنْهُ. (?)

- مَرَاتِبُ النَّاسِ عِنْدَ المُصِيْبَةِ:

1) مَرْتَبَةُ السَّخَطِ عَلَى قَدَرِ اللهِ تَعَالَى: وَيَكُوْنُ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالجَوَارِحِ، كَمَا فِي المتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُوْدَ وَشَقَّ الجُيُوْبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ). (?)

2) مَرْتَبَةُ الصَّبْرِ: وَهُوَ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ البَلَاءِ؛ وَأنَّهُ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ، وَقَدْ يَتَمَنَّى العَبْدُ زَوَالَهَا؛ كَمِثْلِ مَنْ ابْتُلِيَ بِمَرَضٍ؛ فَيَعْلَمُ أنَّهُ لِحِكْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ، فَهُوَ رَاضٍ بِفِعْلِ رَبِّهِ (أَي بِتَقْدِيْرِهِ) - وَإِنْ كَانَ مُتَمَنِّيًا لِزَوَالِهِ؛ وَهُوَ المَقْدُوْرُ -. (?)

3) مَرْتَبَةُ الرِّضَا بِالمَقْدُوْرِ: فَهُوَ رَاضٍ بِالقَدَرِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِحِكْمَةٍ، وَأَيْضًا هُوَ رَاضٍ بِمَا حَلَّ بِهِ - أَيْ: مِنَ المَقْدُوْرِ - غَيْرُ مُتَمَنٍ لِزَوَالِ مَا أَصَابَهُ.

لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِأَسْبَابِ إِزَالَةِ المُؤْلِمِ؛ لِأَنَّ المَقْصُوْدَ هُوَ إِظْهَارُ مَحَبَّةِ مَا اخْتَارَهُ اللهُ لَكَ؛ لِأَنَّهُ نَاتِجٌ عَنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ وَرَحْمَةٍ. (?) (?)

4) مَرْتَبَةُ الشُّكْرِ عَلَى المُصِيْبَةِ: ووَجْهُهَا أَنَّه يَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّه لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِيْنِهِ (?)، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَذَابَ الدُّنيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015