- فِي البَابِ مِنَ الفِقْهِ أَنَّ مِنَ الكُفْرِ مَا لَا يُخْرِجُ منَ المِلَّةِ، وَفِي الحَدِيْثِ (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُوْنَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُوْمِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا؛ تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ). (?)

- قَوْلُهُ (هُمَا بِهِم كُفْرٌ): لِأَنَّهُمَا مِنْ أَفْعَالِ الجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمَا كُفْرًا أَنْ يَكُوْنَ فَاعِلُهُمَا كَافِرًا (?)، كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الزِّنْدِيْقِ وَاليَهُوْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الكُفَّارِ؛ أَنَّه إِذَا فَعَلَ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الإِيْمَانِ - كَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ وَالصِّدْقِ وَالصَّدَقَةِ - أَنَّهُ يَكُوْنُ مُؤْمِنًا، وَذَلِكَ لِأَنَّه كَافِرٌ فِي أَصْلِهِ، بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَ الكَلَامُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي أَصْلِهِ.

وَهَذَا الحَدِيْثُ يَجْعَلُهُ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ نُصُوْصِ الوَعِيْدِ الَّتِيْ يُمِرُّوْنَهَا كَمَا جَاءَتْ دُوْنَ الخَوْضِ فِي تَفْسِيْرِهَا، لَا لِعَدَمِ العِلْمِ بِمَعْنَاهَا وَلَكِنْ كَيْ تَكُوْنَ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ وَأَبْلغَ فِي الزَّجْرِ، وحَقِيْقَةُ هَذَا الكُفْرِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ؛ حَيْثُ يَأْثَمُ تَارِكُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ المِلَّةِ. (?)

- قَوْلُهُ (مَنْ ضَرَبَ الخُدُوْدَ): هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الغَالِبِ، لَا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ، وَعَلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَعْنَاهُ فَهُوَ مِنْهُ. (?)

- قَوْلُهُ (دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ): عَامٌّ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الأَقْوَالِ المَذْمُوْمَةِ، فَيَدْخُلُ فِيْهِ نَدْبُ الميِّتِ، وَالدُّعَاءُ بِالوَيْلِ وَالثُّبُوْرِ (?)، وَهَذَا مِنَ السَّخَطِ بِاللِّسَانِ، فَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّبْرِ، وَيَدْخُلُ فِيْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا التَّعَصُّبُ وَدَعْوَى التَّجَمُّعِ عَلَى غَيْرِ الإِسْلَامِ. (?)

وَفِي الحَدِيْثِ (انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً؛ فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ابْنُ الإِسْلَامِ. قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ قُلْ لهَذَيْنِ المُنْتَسِبَيْنِ: أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا المُنْتَمِي - أَوِ المُنْتَسِبُ - إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ! فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا المُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الجَنَّةِ! فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الجَنَّةِ)). (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015