لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: أَيَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ سُلَيْمَانُ: أَرَأْيٌ، أَمْ عِلْمٌ؟ قَالَ: «سَمِعْنَا أَنَّهَا إِذَا [صَلَّتْ وَصَامَتْ] حَلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا».

فقول سليمان: «رَأْيٌ، أَمْ عِلْمٌ؟» يدلنا على أن كلمة (العِلْمَ) كانت عندهم مصطلحاً يدل على النقل. وأن كلمة (رَأْيٌ) كانت عندهم مصطلحاً يدل على الإجتهاد. وهو الذي ينصرف المنع عن التدوين إليه.

- ومنها ما نقل عن الإمام محمد بن سيرين، أنه سئل عن المتعة - أي التمتع - بالعمرة إلى الحج، فقال: «كَرِهَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - , فَإِنْ يَكُنْ عِلْمًا فَهُمَا أَعْلَمُ مِنِّي وَإِنْ يَكُنْ رَأْيًا فَرَأْيُهُمَا أَفْضَلُ» (?). ففرق أيضا بين القول اعتماداً على نص، وهو العلم، وبين القول اعتماداً على فهم النص، وهو الرأي.

ولا يفوتنا أن نبين أن العلم عندهم أيضاً ما كانت دلالته قطعية. وأن الرأي ما كانت دلالته ظنية.

فكل هذه النقول تدحض (الضلال العلمي) الذي تولى كبره المستشرق جولدتسيهر مُتَّهِمًا سَلَفَنَا بالمزاجية في تدوين العلم، وَتُبَيِّنُ مدى الدقة والأمانة عند التابعين في التفريق بين النص وبين الاجتهاد، وهذا يؤكد كل كلمة قالها الدكتور الصالح في نوايا المستشرقين.

ثم عندما رسخ هذا التفريق في الأذهان " أصبح كثير من أوساط التابعين في أول المئة الثانية لا يرون بأساً في تقييد العلم، ويرخصون لتلامذتهم بتقييده، كما رخص سعيد بن المسيب - المُتَوَفَّى سَنَةَ 105 للهجرة - لعبد الرحمن بن حرملة - المُتَوَفَّى سَنَةَ 145 للهجرة - بذلك حين شكا إليه سوء الحفظ، وراح الشعبي - عامر بن شراحيل الإمام المتوفى في العشر الأول من المائة الثانية - يردد العبارة المشهورة التي كانت صدى لحديث مرفوع إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?) تناقله الصحابة والتابعون: «الكِتَابُ قَيْدُ العِلْمِ»، وينبه على فائدة الكتابة فيقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي، شَيْئًا فَاكْتُبُوهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» (?). إلى أمثلة كثيرة ساقها الشهيد الدكتور صُبْحِي الصَّالِحْ - رَحِمَهُ اللهُ - تعالى تثبت انتشار كتابة الحديث في مطلع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015