وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى السِّحْرِ وَأَحْوَالِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [102] .

وَإِقْحَامُ كَلِمَةِ قَوْمٌ هُنَا دُونَ أَنْ يَقُولُوا: بَلْ نَحْنُ مَسْحُورُونَ، لِأَنَّ ذِكْرَهَا يَقْتَضِي أَنَّ السِّحْرَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَاسْتَوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ حَتَّى صَارَ مِنْ خَصَائِصِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ تَبْيِينُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [164] . وتكرر ذَلِك.

[16- 18]

[سُورَة الْحجر (15) : الْآيَات 16 إِلَى 18]

وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18)

لَمَّا جَرَى الْكَلَامُ السَّابِقُ فِي شَأْنِ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا توركوا بِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحَ التَّكْذِيبِ أَصْلَيْنِ هُمَا إِبْطَالُهُ إِلَهِيَّةَ أَصْنَامِهِمْ، وَإِثْبَاتُهُ الْبَعْثَ، انْبَرَى الْقُرْآنُ يُبَيِّنُ لَهُمْ دَلَائِلَ تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ، فَذَكَرَ

الدَّلَائِلَ الْوَاضِحَةَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِدَلَائِلَ إِمْكَانِ الْبَعْثِ مِنْ خَلْقِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَانْقِرَاضِ أُمَمٍ وَخَلَفَهَا بِأُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ [سُورَة الْحجر: 23] الْآيَةَ. وَصَادَفَ ذَلِكَ مُنَاسِبَةَ ذِكْرِ فَتْحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فِي تَصْوِيرِ غُلْوَائِهِمْ بِعِنَادِهِمْ، فَكَانَ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ تَخَلُّصًا بَدِيعًا.

وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مُكَابَرَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الْحَقَّ لَكَانَ لَهُمْ فِي دَلَالَةِ مَا هُوَ مِنْهُمْ غُنْيَةٌ عَنْ تَطَلُّبِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ.

وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ مَدْلُولَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَعْلُومٌ لَدَيْهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015