بِأَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِدْقِهِ، لِأَنَّ دَلَائِلَ الصِّدْقِ بَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ الْمَعَاذِيرَ الْمُخْتَلِفَةَ.

وَالْكَلَامُ الْجَامِعُ لِإِبْطَالِ مَعَاذِيرِهِمْ: أَنَّهُمْ لَوْ فَتَحَ اللَّهُ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ حِينَ سَأَلُوا آيَةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ بِطَلَبٍ مِنَ الرَّسُولِ فَاتَّصَلُوا بِعَالِمِ الْقُدُسِ وَالنُّفُوسِ الْمَلَكِيَّةِ وَرَأَوْا ذَلِكَ رَأْيَ الْعَيْنِ لَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهَا تَخَيُّلَاتٌ وَأَنَّهُمْ سُحِرُوا فَرَأَوْا مَا لَيْسَ بِشَيْءٍ شَيْئًا.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سُورَة الْأَنْعَام: 7] .

وَ (ظَلَّ) تَدُلُّ عَلَى الْكَوْنِ فِي النَّهَارِ، أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَضَحِ النَّهَارِ وَتَبَيُّنِ الْأَشْبَاحِ وَعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي الْمَرْئِيِّ.

وَالْعُرُوجُ: الصُّعُودُ. وَيَجُوزُ فِي مُضَارِعِهِ ضَمُّ الرَّاءِ وَبِهِ الْقِرَاءَةُ وَكَسْرُهَا، أَيْ فَكَانُوا يَصْعَدُونَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ نَهَارًا.

وسُكِّرَتْ- بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَبِتَخْفِيفِ الْكَافِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ، أَيْ سُدَّتْ. يُقَالُ: سَكَّرَ الْبَابَ بِالتَّشْدِيدِ وَسَكَرَهُ بِالتَّخْفِيفِ إِذَا سَدَّهُ.

وَالْمَعْنَى: لَجَحَدُوا أَنْ يَكُونُوا رَأَوْا شَيْئًا.

وَأَتَوْا بِصِيغَةِ الْحَصْرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ بَتُّوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ. وَرَدُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ظَنٌّ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَعَرَجُوا فِيهَا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُبْصِرُونَ، ثُمَّ أَضْرَبُوا عَنْ ذَلِكَ إِضْرَابَ الْمُتَرَدِّدِ الْمُتَحَيِّرِ يَنْتَقِلُ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ فَقَالُوا: بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ، أَيْ مَا رَأَيْنَاهُ هُوَ تَخَيُّلَاتِ الْمَسْحُورِ، أَيْ فَعَادُوا إِلَى إِلْقَاءِ تَبِعَةِ ذَلِكَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَحَرَهُمْ حِينَ سَأَلَ لَهُمُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَفَتَحَهُ لَهُمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015