وَالْبَرَكَاتُ: الْخَيْرَاتُ النَّامِيَةُ، وَاحِدَتُهَا بَرَكَةٌ، وَهِيَ مِنْ كَلِمَاتِ التَّحِيَّةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الدُّعَاءِ.

وَلَمَّا كَانَ الدَّاعُونَ بِلَفْظِ التَّحِيَّةِ إِنَّمَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِدُعَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَصُدُورُ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْ لَدُنْهِ قَائِمٌ مَقَامَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ فَهُوَ إِفَاضَةُ بَرَكَاتٍ عَلَى نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَنْ مَعَهُ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ تَكْرِيمُهُمْ وَتَأْمِينُهُمْ وَالْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ.

وَ (عَلَيْكَ) يَتَعَلَّقُ (بِسَلَامٍ) وَ (بَرَكَاتٍ) وَكَذَلِكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ.

وَالْأُمَمُ: جَمْعُ أُمَّةٍ. وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ الَّتِي يَجْمَعُهَا نَسَبٌ إِلَى جَدٍّ وَاحِدٍ. يُقَالُ: أُمَّةُ الْعَرَبِ، أَوْ لُغَةٌ مِثْلَ أُمَّةِ التُّرْكِ، أَوْ مَوْطِنٌ مِثْلَ أُمَّةِ أَمْرِيكَا، أَوْ دِينٌ مِثْلَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَ أُمَمٍ دَالٌّ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ يَكُونُ بَعْدَ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَلَيْسَ الَّذِينَ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ أُمَمًا لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ لِقَوْلِهِ: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40] .

وَتَنْكِيرُ أُمَمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّعْمِيمَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ.

وَ (مِنْ) فِي مِمَّنْ مَعَكَ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَ (مَنْ) الْمَوْصُولَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي السَّفِينَةِ. وَمِنْهُمْ أَبْنَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ. فَالْكَلَامُ بِشَارَةٌ لِنُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَنْ مَعَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مِنْهُمْ أُمَمًا كَثِيرَةً يَكُونُونَ مَحَلَّ كَرَامَتِهِ وَبَرَكَاتِهِ. وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنْ يَجْعَلَ مِنْهُمْ أُمَمًا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلَهُ: وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ.

وَهَذَا النَّظْمُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ نُوحًا بِالسَّلَامِ وَالْبَرَكَاتِ وَشَرَكَ مَعَهُ فِيهِمَا أُمَمًا نَاشِئِينَ مِمَّنْ هُمْ مَعَهُ، وَفِيهِمُ النَّاشِئُونَ مِنْ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ مَعَهُ أَبْنَاءَهُ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ انْحَصَرَ فِيهِمْ نَسْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ مَعَهُ يَشْمَلُهُمُ السَّلَام والبركات بادىء بَدْء قَبْلَ نَسْلِهِمْ إِذْ عُنْوِنَ عَنْهُمْ بِوَصْفِ مَعِيَّةِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ كَرَامَتِهِمْ. وَإِذْ كَانَ التَّنْوِيهُ بِالنَّاشِئِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015