[سُورَة هود (11) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)

فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَصْلًا عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَالْمُجَادَلَةُ: الْمُخَاصَمَةُ بِالْقَوْلِ وَإِيرَادُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَتَكُونُ فِي الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: 74] ، وَيَكُونُ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِ: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الْبَقَرَة: 197] .

وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّهُ جَادَلَهُمْ فِيمَا هُوَ شَرٌّ فَعَبَّرَ عَنْ مُرَادِهِمْ بِلَفْظِ الْجِدَالِ الْمُوَجَّهِ، وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ

فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [107] .

وَهَذَا قَوْلٌ وَقَعَ عَقِبَ مُجَادَلَتِهِ الْمَحْكِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْمُجَادَلَةَ كَانَتْ آخِرَ مُجَادَلَةٍ جَادَلَهَا قَوْمَهُ، وَأَنَّ ضَجَرَهُمْ وَسَآمَتَهُمْ مِنْ تَكْرَارِ مُجَادَلَتِهِ حَصَلَ سَاعَتَئِذٍ فَقَالُوا قَوْلَهُمْ هَذَا، كَانَت كُلُّهَا مُجَادَلَاتٍ مَضَتْ. وَكَانَتِ الْمُجَادَلَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الَّتِي اسْتَفَزَّتِ امْتِعَاضِهِمْ مِنْ قَوَارِعِ جَدَلِهِ حَتَّى سَئِمُوا مِنْ تَزْيِيفِ مُعَارَضَتِهِمْ وَآرَائِهِمْ شَأْنَ الْمُبْطِلِ إِذَا دَمَغَتْهُ الْحُجَّةُ، وَلِذَلِكَ أَرَادُوا طَيَّ بِسَاطِ الْجِدَالِ، وَأَرَادُوا إِفْحَامَهُ بِأَنْ طَلَبُوا تَعْجِيلَ مَا تَوَعَّدَهُمْ مِنْ عَذَابٍ يَنْزِلُ بِهِمْ كَقَوْلِهِ آنِفًا: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: 26] .

وَقَوْلُهُمْ: فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذَمُّرِ وَالتَّضْجِيرِ وَالتَّأْيِيسِ مِنْ الِاقْتِنَاعِ، أَجَابَهُمْ بِالْمُبَادَرَةِ لِبَيَانِ الْعَذَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْخَلُ فِي الْمَوْعِظَةِ فَبَادَرَ بِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى بَيَانِ مُجَادَلَتِهِ.

وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ: إِحْضَارُهُ. وَأَرَادُوا بِهِ تَعْجِيلَهُ وَعَدَمَ إِنْظَارِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015