وَجُمْلَةُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ أَنْ يَقُولَ: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً.

وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطَفْ، وَمَعْنَى اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّ أَمْرَهُمْ مَوْكُولٌ إِلَى رَبِّهِمُ الَّذِي علم بِمَا أَوْدَعَهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالَّذِي وَفَّقَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، أَيْ فَهُوَ يُعَامِلُهُمْ بِمَا يَعْلَمُ مِنْهُمْ. وَتَعْلِيقُهُ بِالنُّفُوسِ تَنْبِيهٌ لِقَوْمِهِ عَلَى غَلَطِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ [هود: 27] بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْجَانِبِ الْجُثْمَانِيِّ الدُّنْيَوِيِّ وَجَهِلُوا الْفَضَائِلَ

وَالْكِمَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَالْعَطَايَا اللَّدُنِّيَّةَ الَّتِي اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا.

وَاسْمُ التَّفْضِيلِ هُنَا مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ مَقْصُودٌ مِنْهُ شِدَّةُ الْعِلْمِ.

وَجُمْلَةُ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ تَعْلِيلٌ ثَانٍ لِنَفْيِ أَنْ يَقُول: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً.

وإِذاً حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ مُجَازَاةً لِلْقَوْلِ، أَيْ لَوْ قُلْتَ ذَلِكَ لَكُنْتَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْلِمُهُمْ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ حَقِيقَتِهِمْ، وَيَظْلِمُ نَفْسَهُ بِاقْتِحَامِ الْقَوْلِ بِمَا لَا يصدق.

وَقَوله: لَمِنَ الظَّالِمِينَ أَبْلَغُ فِي إِثْبَاتِ الظُّلْمِ مِنْ: إِنِّي ظَالِمٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [67] .

وَأَكَّدَهُ بِثَلَاثِ مُؤَكِّدَاتٍ: إِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَحَرْفِ الْجَزَاءِ، تَحْقِيقًا لِظُلْمِ الَّذِينَ رَمَوُا الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّذَالَةِ وَسَلَبُوا الْفَضْلَ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيضَ بِقَوْمِهِ فِي ذَلِكَ. وَسَيَجِيءُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ ذِكْرُ مَوْقِفٍ آخَرَ لِنُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ قَوْمِهِ فِي شَأْنِ هَؤُلَاءِ الْمُؤمنِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015