{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، وقال: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} وجب أن يحتاط العاقل لنفسه ودينه، فلا يعتقد إلا حقاً، ولا يكذب إلا بباطل، ولا يقف إلا عند شبهة، حتى لا يكون ممن شهد بما لم يعلم، أو كذب بما لم يحط به علمه.

وإذا نظرنا في الثلاثة الأضرب التي قدمنا ذكرها وجدنا من الواجب أن نعتقد صحة جميع ما ذكرنا أنه يقين وحق لا شبهة فيه، ونشهد بصحة ذلك فلا تلجلجنا الشكوك فيه، فإنا متى شككنا في شيء منه أخطأنا وأثمنا. كما قلنا قبل هذا الموضع، وأن ننظر فيما أتى من الصنف الثاني الذي قد وقع الاشتباه فيه، وادعى كل قوم إصابة الحق فيه، فإن كان مما أتى من جهة القياس احتفظنا فيه بتصحيح المقدمات التي انتجته وحراستها من المغالطة التي قدمنا ذكرها، فإذا صحت ميزناها على كلم المقال إن كانت مما يقع لفظه على معان كثيرة، وننظر إلى أي وجه منها هو مراد المتكلم في قوله، فإذا ميزنا ذلك استخرجنا فصولها التي تنفصل بها غيرها، حتى يظهر الحد الذي يفرق بينها وبين ما يباينها، فإذا فعلنا ذلك صححنا التشبيه وألحقنا كل شيء بما يشبهه، فإذا أتينا بذلك على هذا الترتيب والتحصيل صح لنا ما نريد تصحيحه بالقياس إن شاء الله. وإن كان ما أتى من جهة الخبر عن الآحاد والجماعات القليلة العدد احتيط في ذلك أولاً بعرضه على العقول، فإن باينها وضادها فهو باطل، وإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015