هو الدَّهر"، ولم يذكر: "أقلِّب الليل والنهار"، ولا يصح أن يقال: إن هذه

الرواية مطلقة، والأولى مقيَّدة؛ لأنَّا إن صرنا إلى ذلك لزم نصب "الدَّهر" بعامل

محذوف ليس في الكلام ما يدلّ عليه، ولزم حذف الخبر، ولا دليل عليه. وكل

ذلك باطل من اللسان قطعًا، وإذا ثبت ذلك، فاعلم: أنه لمّا كان اعتقاد

الجاهلية أن الدَّهر هو الذي يفعل الأفعال، ويذمُّونه إذا لم تحصل أغراضهم،

أعلمهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الله هو الذي يفعل كل شيء، فإذا سبُّوا الدَّهر من حيث

إنه الفاعل، ولا فاعل إلا الله، فكأنَّهم سبُّوا الله تعالى، فلذلك قال الله تعالى:

"يسبُّ ابن آدم الدَّهر، وأنا الدَّهر"؛ أي: أنا الذي أفعل ما ينسبونه للدَّهر، لا

الدَّهر، فإنَّه ليل ونهار، وأنا أقلّبهما؛ أي: أتصرف فيهما بالإطالة، والإقصار،

والإضاءة، والإظلام، وفيه تنبيه على أن ما يُفعل، ويُتصرَّف فيه لا يصلح لأن

يَفعل، وهذا المعنى هو الذي عبَّر عنه الحكماء بقولهم: ما له طبيعة عدميَّة

يستحيل أن يفعل فعلًا حقيقيًّا، والله تعالى أعلم. انتهى (?).

وقال في "الفتح": معنى النهي عن سبّ الدهر أن من اعتقد أنه الفاعل

للمكروه، فسبَّه أخطأ، فإن الله هو الفاعل، فإذا سَبَبْتم من أنزل ذلك بكم رجع

السب إلى الله.

قال: ومحصَّل ما قيل في تأويله ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المراد بقوله: "إن الله هو الدهر"؛ أي: المدبِّر للأمور.

ثانيها: أنه على حَذْف مضاف؛ أي: صاحب الدهر.

ثالثها: التقدير: مُقَلِّب الدهر، ولذلك عفبه بقوله: "بيدي الليل والنهار".

ووقع في رواية زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ:

"بيدي الليل والنهار، أُجَدِّده، وأُبليه، وأذْهَبُ بالملوك"، أخرجه أحمد.

وقال المحققون: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقةً كفر، ومن

جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك، فليس بكافر، لكنه يُكره له ذلك؛

لِشَبَهه بأهل الكفر في الإطلاق، وهو نحو التفصيل الماضي في قولهم: "مُطِرنا

بكذا".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015