قال بعضهم: هو منصوب على التخصيص، قال: والظرف أصحّ وأصوب، أما

رواية الرفع وهي الصواب، فموافقة لقوله: "فإن الله هو الدهر"، قال العلماء:

وهو مجازٌ، وسببه أن العرب كان شأنها أن تسبّ الدهر عند النوازل،

والحوادث، والمصائب النازلة بها، من موت، أو هرم، أو تلف مال، أو غير

ذلك، فيقولون: يا خيبة الدهر، ونحو هذا من ألفاظ سبّ الدهر، فقال

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر"؛ أي: لا تسبوا فاعل النوازل،

فإنكم إذا سَبَبْتم فاعلها وقع السبّ على الله تعالى؛ لأنه هو فاعلها، ومنزلها،

وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فِعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله

تعالى، ومعنى فإن الله هو الدهر: أي: فاعل النوازل، والحوادث، وخالق

الكائنات، والله أعلم. انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فإني أنا الدَّهر" الرواية الصحيحة المشهورة

فيه برفع الدَّهرُ؛ على أنه خبر "إن" إن جعلنا "أنا" فضلًا، وإن جعلناها مبتدأ؛

فهو خبره، وقد قيّدها بعض الناس: "الدَّهر" بالنصب؛ على أن تكون ظرفًا

يعمل فيه "أُقَلِّبُ"، فكأنه قال: أنا طولَ الدَّهر أُقلِّب الليل والنهار، ويكون

"أُقلِّب" هو الخبر، والذي حَمَله على ذلك خوف أن يقال: إن الدَّهر من

أسماء الله تعالى، وهذا عدول عمَّا صحَّ إلى ما لم يصح؛ مخافةَ ما لا يصح،

فإنَّ الرواية الصحيحة عند أهل التحقيق بالضم، ولم يَرْوِ الفتح من يُعتمد عليه،

ولا يلزم من ثبوت الضم أن يكون الدَّهر من أسماء الله تعالى؛ لأن أسماء الله

تعالى لا بدَّ فيها من التوقيف عليها، أو استعمالها استعمال الأسماء من الكثرة

والتكرار، فيخبر به، وعنه، وينادى به، كما اتَّفق في سائر أسماء الله تعالى؛

كالغفور، والشكور، والعليم، والحليم، وغير ذلك من أسمائه، فإنك تجدها

في الشريعة، وفي لسان أهلها، تارة يخبر بها، وأخرى يخبر عنها، وأخرى

يُدعى، ويُنادى بها، ولم يوجد للدَّهر شيء من ذلك، فلا يكون اسمًا من

أسمائه تعالى، ثمَّ لو سُلِّم أن النصب يصح في ذلك اللفظ على ذلك الوجه،

فلا يصح شيء من ذلك في الرِّواية التي قال فيها: "لا تسبُّوا الدَّهر، فإنَّ الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015