-أنه لما كان الغلو بطبيعته لا تطيقه إلا نفوس قلائل تنطلق من تصور فاسد، وكثيراً ما تحظى بالإعجاب والإكبار لما تلزم به أنفسها، فيظن الرائي أنها تمثل حقيقة الدين وسموه، جاءت الأحاديث الصحيحة تبين صفات هذه النفوس وشبهات ذلك التصور. ولما كان التفريط بطبعه غالباً على أكثر النفوس؛ جاء التحذير منه متمثلاً في الأوامر والنواهي عامة، والتذكير بها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضرورة التناصح بين الأمة.

-أن الانحراف الذي وقع فيه الناس في مسألة الإيمان بالغيب: هو أكبر انحراف وأعظم ضلال؛ فكل من ضل في معرفة الله -تبارك وتعالى-، وكل من أشرك مع الله -تبارك وتعالى- غيره، وكل من أنكر الرسل وجحدهم وكذب ما جاءوا به؛ كل ذلك إنما هو لأنه لم يؤمن بالغيب.

-أن أركان الإيمان الستة كلُّها غيب، ولا يمكن أن يُعلم الغيب "ولا يصار إلى بيان المبهمات إلا بقاطع" (?)، ولا قاطع ولا سبيل إلى العلم بذلك إلا عن طريق الخبر، إما من كتاب الله - عز وجل -، وإما عن طريق نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لذا كان الإيمان بالغيب ركيزةً أساسيةً من ركائز الإيمان في الرسالات السماوية كلها.

- أن السلف -رحمهم الله- قد قبلوا نصوص المعاد على ظاهرها، ولم يبحثوا في كيفية ما يرد من أحوال الآخرة؛ لأنها مما يجب الإيمان به كما ورد من غير تحريف ولا تأويل؛ ولأنه لا يحكم على الغيب إذ لا يقاس عالم الغيب على عالم الشهادة؛ ولأن كثيراً من أحوال الآخرة الإيمان بها منوط بالإيمان بكمال قدرة الرب تعالى، خلافاً لمن فتح باب الخوض فيها على مصراعيه من أصحاب البدع المتقابلة، حتى أفضى الأمر ببعضهم إلى إنكار ما جاء به الشرع، بحجّة الاعتماد على العقل.

- أن هناك أمراً مشتركاً عند أغلب المكذبين بالغيب وهو انحباسهم في عالم الشهادة، ووقوعهم بين طرفي نقيض، عند إرادتهم تفسير الأمور الغيبية، فإما أن يجلبوا ذاك الغيب بصور شتى إلى عالم الشهادة، وإما أن ينفوا ذلك الغيب مطلقاً.

-أن أهل البدع والأهواء -على اختلاف العصور- لما أحسوا بإفلاس مذاهبهم من المعقولات والمنقولات، لجؤوا إلى طريقة أعداء الرسل، وهي التهويش بالألقاب والأسامي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015