وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداود .. وغيرهم ممن يقر اليهود برسالة بعضهم وينكرون رسالة بعضهم تعنتا وحقدا. وهو الأمر الطبيعي أن يرسل الله لعباده رسلا مبشرين ومنذرين .. «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» .. فهو أمر ضروري، فوق أنه طبيعي ..

وفي مقابل إنكار اليهود يقرر شهادة الله - سبحانه - وشهادة الملائكة. وكفى بالله شهيدا. ويتوعد الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله .. الذين كفروا وظلموا .. يتوعدهم ألا يغفر الله لهم وألا يهديهم سبيلا إلا سبيل جهنم خالدين فيها أبدا .. ويعقب على هذا بنداء للناس كافة، وإعلانهم أن هذا الرسول قد جاءهم بالحق من ربهم، ودعوتهم إلى الإيمان، وإلا فإن لله ما في السماوات والأرض. وقد شهد بصحة هذه الرسالة ودعاهم إلى الإيمان بها، فهم إذن وما يختارون لأنفسهم بإزاء دعوة ممن له ما في السماوات والأرض.

وهكذا تنتهي هذه الجولة مع اليهود من أهل الكتاب. وقد كشفت عن طبيعتهم ووسائلهم وعادة السوء فيهم من قديم، وردت كيدهم بهذا الكشف، وقررت كلمة الحق في رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأقامت الحجة على الناس بشهادة الله سبحانه .. فوق ما قررته من جسامة تبعة الرسل، وأصحاب دعوة الحق، فهي إقامة الحجة على الناس من جانب، ومن الجانب الآخر أن أمر الناس كلهم معلق بأعناق الرسل والمؤمنين برسالتهم، لينجو الناس من عقاب الله أو يستحقوه عن بينة .. وهي تبعة خطيرة جسيمة.

فإذا انتهت هذه الجولة مع اليهود وأنصف الله عيسى بن مريم وأمه منهم وكذب دعاوى السوء اليهودية عن عيسى وعن مريم .. بدأت الجولة الثانية مع النصارى - أتباع عيسى عليه السلام - لتصحيح غلوهم في أمر المسيح - عبد الله ونبيه - وكفهم عن هذا الغلو، وتقرير الحق في شأنه: فهو عبد الله لا يستنكف أن يكون عبدا لله. وكذلك الملائكة - تصحيحا لمزاعمهم عن روح القدس - ونفي التثليث ونفي الأبوة عن الله سبحانه وتعالى، وفي ثنايا هذا التصحيح يتقرر التصور الإسلامي الصحيح، ويتمحض الأمر كله في أن يكون: ألوهية وعبودية .. ألوهية الله وحده وعبودية كل من عداه .. وهي القاعدة الكبرى في العقيدة الإسلامية، والسمة البارزة، والمقوم الأساسي ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015