الفصل الأول في النيل وكيفية زيادته ونقصانه وقوانين ذلك

المقالة الثانية

الفصل الأول في

النيل وكيفية زيادته ونقصانه

وقوانين ذلك

اعلم أن نيل مصر يمد وقت نضوب مياه الأرض وذلك في شمس السرطان والأسد السنبلة، فيعلو على الأرض ويقيم أياما فإذا نزل عنها حُرثت وزُرعت، ثم يكثر الندى في الليل جدا وبه يتغذّى الزرع إلى أن يُحصد، ونهاية ما تدعو إليه الحاجة من الزيادة ثماني عشرة ذراعا فإن زاد على ذلك، فإنه يروي أمكنة مستعلية وكأنه نافلة، وعلى جهة التبرع ونهاية ما يزيد على جهة الندرة أصابع من عشرين ذراعا وعند ذلك تَستبحر أمكنة يدوم مكثُ الماء عليها، فتفوت زراعتها ويبور من البلاد مما عادته أن يُزرع نحو مما روى مما عاداته أن يشرق، ولنسم الثماني عشرة نهاية الضروري ولنسم العشرين نهاية الإفراط وكل نهاية بين هاتين فلهما ابتداء يقابلها، فابتداء الضروري ست عشرة ذراعا ويسمى ماء السرطان، إذ عنده يستحق الخَراج ويدوي به نحو نصف البلاد ويغل من القوت بمقدار ما يحان أهل البلاد سننهم جمعا مع توسع ويروي سائر البلاد المعتادة بالري بما زاد على ست عشرة ذراعا إلى ثماني عشرة، وهذا يقل بمقدار ما يمير أهل البلاد سنتين فصاعدا، وأما ما نقص عن ست عشرة ذراعا فيروي به ما هو دون الكفاية ولا تحصل منه ميرة سنتهم، ويكون تعذّر القوت بمقدار نقصانه عن ست عشرة ذراعا.

وحينئذ يقال أن البلاد قد شرقت، واشتقاقها من قولهم شرقتِ الشمسُ إذا لمعت وظهرت، وشرَّقت اللحم إذا نشرته ليجف، ومنه قيل أيام التشريق لأنّ لحوم

الأضاحي تشرق فيها أي تُبسط، ومنه أيضا قولهم شرق بالماء وبالشراب لأن الماء عند الاغتصاص وانسداد الحلق يظهر ويبرز ولا يلِج، ولمّا كانت الأرض في السنة التي يُوفي نيلها بارزة لا يسترها الماء ولا يخفيها الغمر قيل شرقت ولم تتغط ولم ينلها النيل ويجوز أن يكون التشريق ريحا شرقية، لأنّ الريح الشرقية والقبلية وهي الجنوب هما عندهم دليل نقص الماء وسببه والغربية البحرية وهي الشمال هما عندهم دليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015