وَلَا قتال وَذَلِكَ كُله ليظْهر الْإِسْلَام وتنتشر دَعوته لِئَلَّا يكون لأحد حجَّة على الله وَرَسُوله

وَبعد ذَلِك أَمر بِالْهِجْرَةِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فقارق أَهله وعشيرته وحاله وَمَاله وَولده وبلده وَلم يعظم عَلَيْهِ مُفَارقَة شَيْء من ذَلِك فِي ذَات الله فَترك كل ذَلِك إِلَى الله فَوَقع أجره على الله

فَلَمَّا حل بِالْمَدِينَةِ افْترض الله عَلَيْهِ الْقِتَال فقاتل فِي ذَات الله جَمِيع من كفر بِاللَّه غير مقصر فِي ذَلِك وَلَا مفرط بل جادا مُجْتَهدا حَتَّى أظهر الله دينه وَإِن رغمت أنوف الجاحدين وَفِي كل ذَلِك الزَّمَان كَانَ يقوم بوظائف الشَّرِيعَة وعباداتها عبَادَة عبَادَة فصلى حَتَّى تورمت قدماه وَانْتَفَخَتْ وَصَامَ حَتَّى كَانَ الْقَائِل يَقُول لَا يفْطر لِكَثْرَة مَا كَانَ يرى من صَوْمه ووصاله وَكَانَ يذكر الله ويعظمه ويمجده ويشكره على كل أَحْوَاله من غير تَقْصِير وَلَا فتور وَلَا تشغله عبَادَة عَن عبَادَة وَلَا عمل زمَان عَن عمل زمَان آخر

كَانَ عمله دَائِما وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْعَمَل أَدْوَمه فَكَانَ يُرَاعِي أنفاسه مَعَ الله وَلَا يضيع شَيْئا مِمَّا كلفه خوفًا من الله فَكَانَ رُبمَا يتفكر فِي عَظِيم أَمر الله وَعزة سُلْطَانه فيستعظم مَا يعرف من هول المطلع فَكَانَ يَقُول وَالله إِنِّي لأعلمكم بِاللَّه وأشدكم لَهُ خشيَة وَكَانَ يَقُول يَا أمة مُحَمَّد وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إِلَى الصعدات تجأرون إِلَى الله وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفرش لَوَدِدْت أَنِّي شَجَرَة تعضد وَلذَلِك كَانَ يَقُول إِنِّي أرى مَالا ترَوْنَ وأسمع مَالا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته سَاجِدا لله

وَهَذَا كُله يدل على كَثْرَة مَعْرفَته بِاللَّه تَعَالَى وَشدَّة خَوفه مِنْهُ ورهبته لَهُ وَكَذَلِكَ كَانَ يبكي وَيسمع لخوفه صَوت كصوت الْمرجل من الْبكاء وَكَذَلِكَ صَحَّ النَّقْل عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ متواصل الأحزان دَائِم الفكرة لَيست لَهُ رَاحَة وَكَانَ يَقُول يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا فَإِنِّي أَتُوب إِلَى الله فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مائَة مرّة

وروى عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سِتَّة فَقَالَ الْمعرفَة راس مَالِي وَالْعَمَل رَأس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015