فكان الايمان بالله والانحياز اليه جد الجد لا يتقدم اليه الا جاد مخلص هانت عليه نفسه، وعزم على أن يقتحم خط النيران ويمشى اليه ولو على حسك السعدان، فتقدم اليه فتية لا يستخفهم طيش الشباب، ولا يستهويهم مطمح من مطامح الدنيا وانما همهم الأخرة وبغيتهم الجنة.

سمعوا مناديا ينادي للإيمان أن أمنوا بربكم، فضاقت عليهم الحياة الجاهلية بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم فرأوا أنهم لا يسعهم الا الايمان بالله ورسوله فأمنوا وتقدموا الى النبي صلى الله عليه وسلم ووضعوا أيديهم في يديه، وأسلموا أنفسهم وأرواحهم اليه، وهم من حياتهم على خطر، ومن البلاء والمحنة على يقين، سمعوا القرآن يقول {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (?) وسمعوا قوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (?) فما كان من قريش الا ما توقعوه، قد نتروا كنانتهم وأطلقوا عليهم كل سهم من سهامها فما زادهم كل ذلك الا ثقة وتجلدا وقالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (?) ولم يزدهم هذا البلاء والاضطهاد في الدين الا متانة في عقيدتهم وحمية لدينهم ومقتا للكفر وأهله واشتعالا لعاطفتهم وتمحيصا لنفوسهم فاصبحوا كالتبر المسبوك واللجين الصافي. وخرجوا من كل محنة وبلاء خروج السيف بعد الجلاء.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يغذى أرواحهم بالقرآن ويربي نفوسهم بالإيمان ويحثهم على الخضوع أمام رب العالمين خمس مرات في اليوم عن طهارة بدن وخشوع قلب وخضوع جسم وحضور عقل فيزدارون كل يوم سمو روح ونقاء قلب ونظافة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015