انتقل إلى ما يلائمه فقال:

(كلّ يوم تبدي صروف الليالي ... خلقا من أبي سعيد غريبا) (?)

ويمكن أن يخرج هذا البيت من الاقتضاب إلى التخلص، بأن يقال: رجح بترجيح الشباب على الشيب الخلق الغريب الجديد على الخلق القديم، أو بأن يقال يريد إنه مع ابتلائي بالشيب لا بأس لي بظهور غرائب خلق أبي سعيد، ولا يخفى أنه لا يوافق نفي الخبر عن الشيب، ما جاء في مدح الشيب وفضله في الشرع، فاللائق بحال الشاعر المسلم الاجتناب عن مثله.

(ومنه) أي من الاقتضاب (ما يقرب من التخلص) في أنه يشوبه شيء من الملائمة (كقولك بعد حمد الله: أما بعد) فإني قد فعلت كذا وكذا، وهو اقتضاب من جهة أنه قد انتقل من الحمد إلى كلام آخر من غير رعاية ملائمة بينهما، لكنه يشبه التخلص من جهة أنه لم يؤت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله، بل إلى لفظ: أما بعد، أي مهما يكن من شيء بعد حمد لله، فكذا أقصد إلى ربط هذا الكلام بما قبله.

(وقيل: وهو فصل الخطاب) في القاموس: أما بعد أي بعد دعائي لك، وأول من قاله داود عليه السّلام أو كعب بن لؤى، هذا ويعلم منه أنه يقال من غير أن يقع بعد حمد أو غيره، ومعناه حينئذ بعد دعائي لك، والأظهر: أن فصل الخطاب الفاصل بين الحق والباطل أو الخطاب المفصول الغير المتشابه، وكل منهما نتيجة العلم بالشيء على وجه الكمال، وإن قال ابن الأثير: والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أن فصل الخطاب هو: أما بعد؛ لأن المتكلم يفتتح في كل أمر ذي شأن بذكر الله تعالى، وبتحميده، فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله: أما بعد، هذا والمفعول المقبول أن المراد من هذا المفعول أن أما بعد من فصل الخطاب.

وكقوله (هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآب) (?) فذكر هذا بقربه إلى التخلص، لأن فيه نوع ارتباط لأن الواو بعده للحال ولفظ: هذا، إما خبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015