ذكر الدكتور حمزة حفظه الله عددا من النقولات عن العلماء في تعظيم كلام الأئمة المتقدمين وفي الحث على الرجوع إلى كلامهم وتقديمه على غيرهم، وأما أنه احتقر المتأخرين كما ألمح إلى ذلك الأستاذ الجديع أو أنه دعى إلى اطراح النظر في كلامهم وفهمه ودراسته فهذه مجرد دعوى، فالدكتور حمزة يذهب إلى أن التفريق بين المتقدمين والمتأخرين منهجي لازمني، وقد ذكر هذا في كتاب الموازنة الذي اطلع عليه الأستاذ الجديع.

قال الدكتور حمزة المليباري في ((الموازنة)) ص 18

إن منهج التصحيح والتعليل القائم على نظر سطحي في ظواهر السند، ومراتب الرواة في الجرح والتعديل، وكذا منهج تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد دون النظر في كونها وهماً أو حقيقة، مع الاكتفاء في ذلك بأنه لم بكن في الرواة متهم ولا متروك، نقول: هو منهج متأخر تبلور في مرحلة ما بعد الرواية.

والمنهج الذي يعتمد على القرائن والملابسات في التصحيح والتضعيف بغض النظر عن ظواهر السند اللافتة منهج متقدم تبناه النقاد في مرحلة الرواية، ولهذا نصطلح هنا ونقول: فمن كان عمله على النوع الأول (وهو اعتبار ظواهر السند في التصحيح والتضعيف) فهو على منهج المتأخرين، حتى وإن كان في عصر الرواية،ومن كان على النوع الثاني (وهو اعتماد القرائن في ذلك) فهو على منهج المتقدمين وإن كان من المعاصرين. وبالتالي فالذي نصل إليه مما سبق هو أن تفريقنا بين المتقدمين والمتأخرين في قسمي علوم الحديث النظري والتطبيقي تفريق منهجي لا زمني،وإن ذلك ضروري في فهم حقيقة هذا العلم.

ونحن نطمئن القارئ الكريم بأننا لم نجترح جديداً بمقدار ما حركنا ساكناً وأنها ليست فكرة وليدة الخواطر والأوهام، أو مجرد خاطرة علقت في ذهننا ثم جعلناها قاعدة أساسها مثالان أو ثلاثة كما اتهمنا بذلك كله بعض إخواننا المحترمين (سامحهم الله) بل أساسها ما ورد عن أمثال الحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر والحافظ السخاوي والحافظ العلائي والعلامة ابن دقيق العيد وغيرهم، ومفاده: إذا اتفق النقاد على تصحيح حديث أو تضعيفه، أو إذا صححه ناقد منهم أو ضعفه دون اعتراض عليه من ناقد آخر فإن على المتأخرين قبول ذلك.انتهى.

وقال قبل ذلك

(

ولولا تواصل الجهود في مراحلها المختلفة لضاعت السنة بأكملها، وما بلغنا من السنة إلا ما حرف وصحف، ولم يعرف له أصل ولا نسب.

وحين تقوم بدراسة " السماعات " التي كانت تسجل في المخطوطات وبشكل رسمي، تجد عظمة ما قام به المتأخرون من الجهود والتضحيات، ونوعية اهتمامهم وانشغالهم، وبالتالي فلا يجوز لأحد أن يحط من قدر المتأخرين لأجل أولئك المتقدمين، فيكون كمن يبني قصراً ويهدم مصراً.)

((ففكرة)) الدكتور حمزة أن مجال النقد والدراسة لازالت مفتوحة ولكن ينبغي لمن يلجها أن يمشى على خطى المتقدمين وينهج منهجهم.

و ((فكرة)) الدكتور حمزة هي عدم احتقار المتأخرين أو التهوين من شأنهم أو علمهم، بل هي ((فكرة)) تصحيحية دعى إليها الجديع نفسه في ((تحرير علوم الحديث)).

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[01 - 03 - 08, 06:07 م]ـ

ثم قال الإستاذ الجديع:

- جعل-برأيه- علامة الفصل بين المتقدمين والمتأخرين الحافظ أبا بكر البيهقي المتوفى سنة (458) وهذا غريب أن يجعل البيهقي فاصلا، نعم هو قد فصل بما سماه مرحلة ما قبل الرواية وما بعد الرواية، لكن حتى على هذا فالبيهقي لايصلح فاصلا، فالرواية امتدت بعده، فأين من هذا الخطيب البغدادي، وابن عبدالبر، وابن عساكر وأبو طاهر السلفي، والضياء المقدسي؟ وهؤلاء وغيرهم خلق من أهل الإسناد والرواية جاؤوا بعد البيهقي.

فإن قيل: عمدة ما يخرجونه أسانيدهم إلى الكتب التي سبقتهم إلى جمع الحديث، كالمسانيد والمصنفات والأجزاء.

أقول: هذا صحيح في الجملةة، لكن يجامعهم فيه البيهقي، بل يجامعهم فيه طائفة كبيرة ممن تقدمه في أكثر من رووا وحدثوا كابن عدي والدارقطني والحاكم النيسابوري، فإن كتبهم شاهدة بتميز مواردهم الحديثية، وأنها ترجع في الأغلب إلى مصنفات مشهورة أو مجاميع معروفة.

ثم هذا ابن عدي في كامله يكثر من ذكر عبارة المتقدمين في كتابه، كأن يقول في الراوي لم أر للمتقدمين فيه كلاما، وربما عد المتأخرين طبقة شيوخه.

لذا، فهذا أمر نسبي لايصلح أن يكون مقياسا.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015