الفصل السابع في الآداب مع الكتب التي هي آلة العلم

الفصل السابع

في الآداب مع الكتب التي هي آلة العلم

وما يتعلق بتصحيحها أو ضبطها وحملها ووضعها وشرائها وعاريتها ونسخها..وغير ذلك وفيه أحد عشر نوعاً: الأول: ينبغي لطالب العلم إن يعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها ما أمكنه شراء، وإلا فإجارة أو عارية لأنها آلة التحصيل، ولا يجعل تحصيلها وكثرتها حظه من العلم، وجمعها نصيبه من الفهم، كما يفعله كثير من المنتحلين الفقه والحديث، وقد أحسن القائل، إذا لم تكن حافظاً واعياً، فجمعك للكتب لا ينفع، وإذا أمكن تحصيلها شراء لم يشتغل بنسخها، ولا ينبغي إن يشتغل بدوام النسخ، إلا فيما يتعذر عليه تحصيله لعدم ثمنه أو أجرة استنساخه، ولا يهتم المشتغل بالمبالغة في تحسين الخط، وإنما يهتم بتصحيحه وبضبطه ولا يستعير كتاباً مع إمكان شرائه أو إجارته.

الثاني: يستحب إعارة الكتب لمن لا ضرر عليه فيها ممن لا ضرر منه بها، لما فيه من الإعانة على العلم، مع ما في مطلق العارية من الفضل والأجر. قال رجل لأبي العتاهية: أعرني كتابك، فقال: إني أكره ذلك، فقال: أما علمت إن المكارم موصولة بالمكاره، فأعاره، وكتب الشافعي إلى محمد بن الحسن:

يا ذا الذي لم ترى عين من رآه مثله

العلم يأبى أهله ... أن يمنعوه أهله

وينبغي للمستعير أن يشكر للمعير ذلك ويجزيه خيراً، ولا يطيل مقامه عنده من غير حاجة، ولا يحشيه ولا يكتب شيئاً في بياض فواتحه وخواتمه، إلا إذا علم رضى صاحبه، وهو كما يكتبه المحدث على جزء سمعه أو كتبه، ولا يعير غيره ولا يودعه لغير ضرورة، حيث يجوَز شرعاً، ولا ينسخ منه بغير إذن صاحبه، فإن كان الكتاب وقفاً على من ينتفع به غيرمعين، فلا بأس بالنسخ منه مع الاحتياط، ولا بإصلاحه ممن هو أهل لذلك، وحسن أن يستأذن الناظر فيه، وإذا نسخ منه بإذن صاحبه أو ناظره، فلا يكتب منه والقرطاس في بطنه أو على كتابته، ولا يضع المحبرة عليه ولا يمر بالقلم الممدود فوق كتابه، وانشد بعضهم:

أيها المستعير مني كتاباً ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى

الثالث: إذا نسخ من الكتاب أو طالعه، فلا يضعه على الأرض مفروشاً منشوراً، بل يجعله بين شيئين أو كرسي الكتب المعروف، كيلا يسرع بقطع حبكه، وإذا وضعها في مكان مصفوفة، فلتكن على كرسيِ أو تخت خشب أو نحوه، والأولى أن يكون بينه وبين الأرض خلوا كيلا تندى أو تبلى، وإذا وضعها على خشب أو نحوه، جعل فوقه وتحتها ما يمنع تآكل جلودها به، وكذلك يجعل ببينها وبين ما يصادفها أو يستندها من حائط أو غيره، ويراعي الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها وشرفها ومصنفيها أو جلالتهم، فيضع الأشراف أعلى الكل. ثم يراعي التدريج، فإن كان فيها المصحف الكريم جعله أعلى الكل، والأولى إن يكوَن في خريطة ذات عروة في مسمار، أو وتد في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس، ثم كتب الحديث الصرف، ثم تفسير القرآن ثم تفسير الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم النحو والتصريف، ثم أشعار العرب، ثم العروض. فإن استوى كتابان في فن أعلى أكثرهما قرآناً أو حديثاً فإن استويا فبجلالة المصنف، فإن استويا، فأقدمهما كتابة وأكثرهما وقوعاً في أيدي العلماء والصالحين، فإن استويا فأصحهما.

وينبغي إن يكتب اسم الكتاب عليه في جانب آخر الصفحات من أسفل، ويجعل رؤوس حروف هذه الترجمة إلى الغاشية التي من جانب البسملة، وفائدة هذه الترجمة معرفة الكتاب، وتيسر إخراجه من بين الكتب، وإذا وضع الكتب على أرض أو تخت فلتكن الغاشية التي من جهة البسملة أو الكتاب إلى فوق، ولا يكثر وضع الدفة في أثنائه، لئلا يسرع تكسرها ولا يضع ذوات القطع الكبير فوق ذوات الصغير، كيلا يكثر تساقطها ولا يجعل الكتب خزانة الكراريس أو غيرها، ولا مخدة ولا مروحة، ولا مكنساً ولا مسنداً، ولا متكأ، ولا مقتلة للبق وغيره، ولا سيما في الورق فهو على الورق أشد، ولا يطوي حاشية الورقة أو زاويتها، ولا يعلم بعود أو شيء جاف، بل بورقة أو نحوها، وإذا علم بظفره فليكن يسيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015