إلا بشخص واحد معين حتى يزداد به ذلاً إلى ذل وعبودية إلى عبودية وحتى يستسخر العقل لخدمة الشهوة وقد خلق ليكون مطاعاً لا ليكون خادماً للشهوة ومحتالاً لأجلها وما العشق إلا سعة إفراط الشهوة وهو مرض قلب فارغ لا هم له وإنما يجب الاحتراز من أوائله بترك معاودة النظر والفكر وإلا فإذا استحكم عسر دفعه فكذلك عشق المال والجاه والعقار والأولاد حتى حب اللعب بالطيور والنرد والشطرنج فإن هذه الأمور قد تستولي على طائفة بحيث تنغص عليهم الدين والدنيا ولا يصبرون عنها البتة

ومثال من يكثر سورة العشق في أول انباعثه مثال من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب لتدخله وما أهون منعها بصرف عنانها ومثال من يعالجها بعد استحكامها مثل من يترك الدابة حتى تدخل وتجاوز الباب ثم يأخذ بذنبها ويجرها إلى ورائها وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر فليكن الاحتياط في بدايات الأمور فأما في أواخرها فلا تقبل العلاج إلا بجهد جهيد يكاد يؤدي إلى نزع الروح

فإذن إفراط الشهوة أن يغلب العقل إلى هذا الحد وهو مذموم جداً وتفريطها بالعنة أو بالضعف عن إمتاع المنكوحة وهو أيضاً مذموم وإنما المحمود أن تكون معتدلة ومطيعة للعقل والشرع في انقباضها وانبساطها ومهما أفرطت فكسرها بالجوع والنكاح قال صلى الله عليه وسلم معاشر الشباب عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فالصوم له وجاء (?)

بيان ما على المريد في ترك التزويج وفعله

اعلم أن المريد في ابتداء أمره ينبغي أن لا يشغل نفسه بالتزويج فإن ذلك شغل شاغل يمنعه من السلوك ويستجره إلى الأنس بالزوجة ومن أنس بغير الله تعالى شغل عن الله ولا يغرنه كثرة نكاح رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا عن الله تعالى (?) فلا تقاس الملائكة بالحدادين ولذلك قال أبو سليمان الداراني من تزوج فقد ركن إلى الدنيا وقال ما رأيت مريداً تزوج فثبت على حاله الأول وقيل له مرة ما أحوجك إلى امرأة تأنس بها فقال لا آنسني الله بها أي أن الأنس بها يمنع الأنس بالله تعالى وقال أيضاً كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم فكيف يقاس غير رسول الله صلى الله عليه وسلم به وقد كان استغراقه بحب الله تعالى بحيث كان يجد احتراقه فيه إلى حد كان يخشى منه في بعض الأحوال أن يسري ذلك إلى قالبه فيهدمه فلذلك كان يضرب بيده على فخذ عائشة أحياناً ويقول كلميني يا عائشة لتشغله بكلامها عن عظيم ما هو فيه لقصور طاقة قالبه عنه (?) فقد كان طبعه الأنس بالله عز وجل وكان أنسه بالخلق عارضاً رفقاً ببدنه ثم إنه كان لا يطيق الصبر مع الخلق إذا جالسهم فإذا ضاق صدره قال أرحنا بها يا بلال (?) حتى يعود إلى ما هو قرة عينه // حديث أن الصلاة كانت قرة عينه تقدم أيضا فالضعيف إذا لاحظ أحواله في مثل هذه الأمور فهو مغرور لأن الأفهام تقصر عن الوقوف على أسرار أفعاله صلى الله عليه وسلم فشرط المريد العزبة في الابتداء إلى أن يقوى في المعرفة هذا إذا لم تغلبه الشهوة فإن غلبته الشهوة فليكسرها بالجوع الطويل والصوم الدائم فإن لم تنقمع الشهوة بذلك وكان بحيث لا يقدر على حفظ العين مثلاً وإن قدر على حفظ الفرج فالنجاح له أولى لتسكن الشهوة وإلا فمهما لم يحفظ عينه لم يحفظ عليه فكره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015