حبط عمله لأن الزكاة إزالة للبخل وتضعيف لحب المال وحب الجاه أشد استيلاء على النفس من حب المال وكل واحد منهما مهلك في الآخرة ولكن صفة البخل تنقلب في القبر في حكم المثال عقرباً لادغاً وصفة الرياء تقلب في القبر أفعى من الأفاعي وهو مأمور بتضعيفها أو قتلهما لدفع أذاهما أو تخفيف أذاهما فمهما قصد الرياء والسمعة فكأنه جعل بعض أطراف العقرب مقوياً للحية فبقدر ما ضعف من العقرب زاد في قوة الحية ولو ترك الأمر كما كان لكان الأمر أهون عليه

وقوة هذه الصفات التي بها قوتها العمل بمقتضاها وضعفت هذه الصفات بمجاهدتها ومخالفتها والعمل بخلاف مقتضاها فأي فائدة في أن يخالف دواعي البخل ويجيب دواعي الرياء فيضعف الأدنى ويقوي الأقوى وستأتي أسرار هذه المعاني في ربع المهلكات

الوظيفة الرَّابِعَةُ أَنْ يَظْهَرَ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ فِي إِظْهَارِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ وَيَحْرُسُ سِرَّهُ من داعية الرياء بالطريق الذي سنذكره في معالجة الرياء في كتاب الرياء فقد قال الله عز وجل إن تبدوا الصدقات فنعما هي وَذَلِكَ حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِبْدَاءَ إِمَّا لِلِاقْتِدَاءِ وَإِمَّا لِأَنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا سَأَلَ عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ التَّصَدُّقَ خِيفَةً مِنَ الرِّيَاءِ فِي الْإِظْهَارِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيَحْفَظَ سِرَّهُ عَنِ الرِّيَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْإِظْهَارِ مَحْذُورًا ثَالِثًا سِوَى الْمَنِّ وَالرِّيَاءِ وَهُوَ هَتْكُ سِتْرِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَأَذَّى بِأَنْ يُرَى فِي صُورَةِ الْمُحْتَاجِ فَمَنْ أَظْهَرَ السُّؤَالَ فَهُوَ الَّذِي هَتَكَ سِتْرَ نَفْسِهِ فَلَا يُحْذَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي إظهاره وهو كإظهار الفسق على من تستر به فإنه محظور والتجسس فيه والاعتياد بذكره منهي عنه فأما من أظهره فإقامة الحد عليه إشاعة ولكن هو السبب فيها وبمثل هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له (?) وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سراً وعلانية نَدَبَ إِلَى الْعَلَانِيَةِ أَيْضًا لِمَا فِيهَا مِنْ فَائِدَةِ التَّرْغِيبِ فَلْيَكُنِ الْعَبْدُ دَقِيقَ التَّأَمُّلِ فِي وزن هذه الفائدة بالمحذور الذي فيه فإن ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص فقد يكون الإعلان في بعض الأحوال لبعض الأشخاص أفضل وَمَنْ عَرَفَ الْفَوَائِدَ وَالْغَوَائِلَ وَلَمْ يَنْظُرْ بِعَيْنِ الشَّهْوَةِ اتَّضَحَ لَهُ الْأَوْلَى وَالْأَلْيَقَ بِكُلِّ حَالٍ

الوظيفة الْخَامِسَةُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَدَقَتَهُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ والأذى واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها والأذى أن يظهرها وقال سفيان من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن فقال أن يذكره ويتحدث به وقيل المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقيل المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة

وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقبل الله صدقة منان (?) وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح فأصله أن يرى نفسه محسناً إليه وَمُنْعِمًا عَلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ يَرَى الْفَقِيرَ مُحْسِنًا إِلَيْهِ بِقَبُولِ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ الَّذِي هُوَ طُهْرَتُهُ وَنَجَاتُهُ مِنَ النَّارِ وَأَنَّهُ لو يَقْبَلْهُ لَبَقِيَ مُرْتَهِنًا بِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ منه الفقير إذ جعل كفه نائباً عن الله عز وجل في قبض حق الله عز وجل

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل (?) فليتحقق أنه مسلم إلى الله عز وجل حقه والفقير آخذ من الله تعالى رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل

ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015