أن لا يدعو على السارق الذي ظلمه بالأخذ فإن فعل بطل توكله ودل ذلك على كراهته وتأسفه على ما فات وبطل زهده ولو بالغ بطل أجره أيضاً فيما أصيب به ففي الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر (?) وحكي أن الربيع بن خثيم سرق فرس له وكان قيمته عشرين ألفاً وكان قائماً يصلي فلم يقطع صلاته ولم ينزعج لطلبه فجاءه قوم يعزونه فقال أما إني قد كنت رأيته وهو يحله قيل وما منعك أن تزجره قال كنت فيما هو أحب إلي من ذلك يعني الصلاة فجعلوا يدعون عليه فقال لا تفعلوا وقولوا خيراً فإني قد جعلتها صدقة عليه

وقيل لبعضهم في شيء قد كان سرق له ألا تدعو على ظالمك قال ما أحب أن أكون عوناً للشيطان عليه

قيل أرأيت لو رد عليك قال لا آخذه ولا أنظر إليه لأني كنت قد أحللته له

وقيل لآخر ادع الله على ظالمك فقال ماظلمنى أحد ثم قال إنما ظلم نفسه ألا يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شراً

وأكثر بعضهم شتم الحجاج عند بعض السلف في ظلمه فقال لا تغرق في شتمه فإن الله تعالى ينتصف للحجاج فمن انتهك عرضه كما ينتصف منه لمن أخذ ماله ودمه

وفي الخبر إن العبد كيظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ويسبه حتى يكون بمقدار ما ظلمه ثم يبقى للظالم عليه مطالبة بما زاد عليه يقتص له من المظلوم (?) السادس أن يغتم لأجل السارق وعصيانه وتعرضه لعذاب الله تعالى ويشكر الله تعالى إذ جعله مظلوماً ولم يجعله ظالماً وجعل ذلك نقصاً في دنياه لا نقصاً في دينه فقد شكا بعض الناس إلى عالم أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فقال إن لم يكن لك غم أنه قد صار في المسلمين من يستحل هذا أكثر من غمك بمالك فما نصحت للمسلمين

وسرق من علي بن الفضيل دنانير وهو يطوف بالبيت فرآه أبوه وهو يبكي ويحزن فقال أعلى الدنانير تبكي فقال لا والله ولكن على المسكين أن يسئل يوم القيامة ولا تكون له حجة

وقيل لبعضهم ادع على من ظلمك فقال إني مشغول بالحزن عليه عن الدعاء عليه فهذه أخلاق السلف رضي الله عنهم أجمعين

الفن الرابع في السعي في إزالة الضرر كمداواة المرض وأمثاله اعلم أن الأسباب المزيلة للمرض أيضاً تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل وسائر أبواب الطب أعني معالجة البرودة بالحرارة والحرارة بالبرودة وهي الأسباب الظاهرة في الطب وإلى موهوم كالكي والرقية أما المقطوع فليس من التوكل تركه بل تركه حرام عند خوف الموت وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتوكلين وأقواها الكي ويليه الرقية والطيرة آخر درجاتها والاعتماد عليها والاتكال إليها غاية التعمق في ملاحظة الأسباب وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضاً للتوكل بخلاف الموهوم وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص فهي على درجة بين الدرجتين ويدل على أن التداوي غير مناقض للتوكل فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015