أن يدعي الكمال أو الإحاطة بكنه الحق انطلقت ألسنتهم بما يقع لكل واحد منهم وتعلق ذلك بقلوب المصغين إليهم وتأكد ذلك بطول الألف فيهم فانسد بالكلية طريق الخلاص عليهم فكانت سلامة الخلق في أن يشتغلوا بالأعمال الصالحة ولا يتعرضوا لما هو خارج عن حد طاقتهم ولكن الآن قد استرخى العنان وفشا الهذيان ونزل كل جاهل على ما وافق طبعه بظن وحسبان وهو يعتقد أن ذلك علم واستيقان وأنه صفو الإيمان ويظن أن ما وقع به من حدس وتخمين علم اليقين وعين اليقين ولتعلمن نبأه بعد حين وينبغي أن ينشد في هؤلاء عند كشف الغطاء

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر

واعلم يقيناً أن كل من فارق الإيمان الساذج بالله ورسوله وكتبه وخاض في البحث فقد تعرض لهذا الخطر ومثاله مثال من انكسرت سفينته وهو في ملتطم الأمواج يرميه موج إلى موج فربما يتفق أن يلقيه إلى الساحل وذلك بعيد والهلاك عليه أغلب

وكل نازل على عقيدة تلقفها من الباحثين ببضاعة عقولهم إما مع الأدلة التي حرروها في تعصباتهم أو دون الأدلة فإن كان شاكاً فيه فهو فاسد الدين وإن كان واثقاً فهو آمن من مكر الله مغتر بعقله الناقص وكل خائض في البحث فلا ينفك عن هاتين الحالتين إلا إذا جاوز حدود المعقول إلى نور المكاشفة الذي هو مشرق في عالم الولاية والنبوة وذلك هو الكبريت الأحمر وإني يتيسر وإنما يسلم عن هذا الخطر البله من العوام أو الذين شغلهم خوف النار بطاعة الله فلم يخوضوا في هذا الفضول فهذا أحد الأسباب المخطرة في سوء الخاتمة

وأما السبب الثاني فهو ضعف الإيمان في الأصل ثم استيلاء حب الدنيا على القلب

ومهما ضعف الإيمان ضعف حب الله تعالى وقوي حب الدنيا فيصير بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله تعالى إلا من حيث حديث النفس ولا يظهر له أثر في مخالفة النفس والعدول عن طريق الشيطان فيورث ذلك الانهماك في إتباع الشهوات حتى يظلم القلب ويقسو ويسود وتتراكم ظلمة النفوس على القلب فلا يزال يطفئ ما فيه من نور الإيمان على ضعفه حتى يصير طبعاً وريناً فإذا جاءت سكرات الموت ازداد ذلك الحب أعني حب الله ضعفاً لما يبدو من استشعار فراق الدنيا وهي المحبوب الغالب على القلب فيتألم القلب باستشعار فراق الدنيا ويرى ذلك من الله فيختلج ضميره بإنكار ما قدر عليه من الموت وكراهة ذلك

من حيث إنه من الله فيخشى أن يثور في باطنه بغض الله تعالى بدل الحب كما أن الذي يحب ولده حباً ضعيفاً إذا أخذ ولده أمواله التي هي أحب إليه من ولده وأحرقها انقلب ذلك الحب الضعيف بغضاً فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطرت فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء وهلك هلاكا مؤبدا والسبب الذين يفضي إلى مثل هذه الخاتمة هو غلبة حب الدنيا والركون إليها والفرح بأسبابها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى فمن وجد في قلبه حب الله أغلب من حب الدنيا وإن كان يحب الدنيا أيضاً فهو أبعد عن هذا الخطر وحب الدنيا رأس كل خطيئة وهو الداء العضال وقد عم أصناف الخلق وذلك كله لقلة المعرفة بالله تعالى إذ لا يحبه إلا من عرفه ولهذا قال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره فإذن كل من فارقته روحه في حالة خطرة الإنكار على الله تعالى بباله وظهر بغض فعل الله بقلبه في تفريقه بينه وبين أهله وماله وسائر محابه فيكون موته قدوماً على ما أبغضه وفراقاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015