فإن قلت فما السبب الذي يفضي إلى سوء الخاتمة فاعلم أن أسباب هذه الأمور لا يمكن إحصاؤها على التفصيل ولكن يمكن الإشارة إلى مجامعها أما الختم على الشك والجحود فينحصر سببه في شيئين

أحدهما يتصور مع تمام الورع والزهد وتمام الصلاح في الأعمال كالمبتدع الزاهد فإن عاقبته مخطرة جداً وإن كانت أعماله صالحة ولست أعني مذهباً فأقول إنه بدعة فإن بيان ذلك يطول القول فيه بل أعني بالبدعة أن يعتقد الرجل في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه إما برأيه ومعقوله ونظره الذي به يجادل الخصم وعليه يعول وبه يغتر وإما أخذاً بالتقليد ممن هذا حاله فإذا قرب الموت وظهرت له ناصية ملك الموت واضطرب القلب بما فيه ربما ينكشف له في حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده جهلاً إذ حال الموت حال كشف الغطاء ومبادىء سكراته منه فقد ينكشف به بعض الأمور فمهما بطل عنده ما كان اعتقده وقد كان قاطعاً به متيقنا له عند نفسه لم يظن بنفسه أنه أخطأ في هذا الاعتقاد خاصة لالتجائه فيه إلى رأيه الفاسد وعقله الناقص بل ظن أن كل ما اعتقده لا أصل له إذ لم يكن عنده فرق في إيمانه بالله ورسوله وسائر اعتقاداته الصحيحة وبين اعتقاده الفاسد فيكون انكشاف بعض اعتقاداته عن الجهل سبباً لبطلان بقية اعتقاداته أو لشكه فيها فإن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فقد ختم له بالسوء وخرجت روحه على الشرك والعياذ بالله منه فهؤلاء هم المرادون بقوله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبقوله عز وجل قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وكما أنه ينكشف في النوم ما سيكون في المستقبل وذلك بسبب خفة أشغال الدنيا عن القلب فكذلك ينكشف في سكرات الموت بعض الأمور إذ شواغل الدنيا وشهوات البدن هي المانعة للقلب من أن ينظر إلى الملكوت فيطالع ما في اللوح المحفوظ لتنكشف له الأمور على ما هي عليه فيكون مثل هذه الحال سبباً للكشف ويكون الكشف سبب الشك في بقية الاعتقادات وكل من اعتقد في الله تعالى وفي صفاته وأفعاله شيئاً على خلاف ما هو به إما تقليداً وإما نظراً بالرأي والمعقون فهو في هذا الخطر والزهد والصلاح لا يكفي لدفع هذا الخطر بل لا ينجي منه إلا الاعتقاد الحق والبله بمعزل عن هذا الخطر أعني الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر إيماناً مجملاً راسخاً كالأعراب والسوادية وسائر العوام الذين لم يخوضوا في البحث والنظر ولم يشرعوا في الكلام استقلالاً ولا صغوا إلى أصناف المتكلمين في تقليد أقاويلهم المختلفة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة البله (?)

ولذلك منع السلف من البحث والنظر والخوض في الكلام والتفتيش عن هذه الأمور وأمروا الخلق أن يقتصروا على أن يؤمنوا بما أنزل الله عز وجل جميعاً وبكل ما جاء من الظواهر مع اعتقاد نفي التشبيه ومنعوهم عن الخوض في التأويل لأن الخطر في البحث عن الصفات عظيم وعقباته كئودة ومسالكه وعرة والعقول عن درك جلال الله تعالى قاصرة وهداية الله تعالى بنور اليقين عن القلوب بما جبلت عليه من حب الدنيا محجوبة وما ذكره الباحثون ببضاعة عقولهم مضطرب ومتعارض والقلوب لما ألقى إليها في مبدأ النشأة آلفة وبه متعلقة والتعصبات الثائرة بين الخلق مسامير مؤكدة للعقائد الموروثة أو المأخوذة بحسن الظن من المعلمين في أول الأمر ثم الطباع بحب الدنيا مشغوفة وعليها مقبلة وشهوات الدنيا بمخنقها آخذة وعن تمام الفكر صارفة فإذا فتح باب الكلام في الله وفي صفاته بالرأي والمعقول مع تفاوت الناس في قرائحهم واختلافهم في طبائعهم وحرص كل جاهل منهم على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015