الذاكر أفضل

وسئل بعض أهل العلم عن الرجل يجمع المال لأعمال البر قال تركه أبر به

وبلغنا أن بغض خيار التابعين سئل عن رجلين أحدهما

طلب الدنيا حلالاً فأصابها فوصل بها رحمه وقدم لنفسه

وأما الآخر

فإنه جانبها فلم يطلبها ولم يتناولها فأيهما أفضل قال

بعيد والله ما بينهما الذي جانبها أفضل كما بين مشارق الأرض ومغاربها

ويحك فهذا الفضل لك بترك الدنيا على من طلبها ولك في العاجل إن تركت الاشتغال بالمال وإن ذلك أروح لبدنك وأقل لتعبك وأنعم لعيشك وأرضى لبالك وأقل لهمومك

فما عذرك في جمع المال وأنت بترك المال أفضل ممن طلب المال لأعمال البر نعم وشغلك بذكر الله أفضل من بذل المال في سبيل الله فاجتمع لك راحة العاجل مع السلامة والفضل في الآجل

وبعد

فلو كان في جمع المال فضل عظيم لوجب عليك في مكارم الأخلاق أن تتأسى بنبيك إذ هداك الله به وترضى ما اختاره لنفسه من مجانبة الدنيا

ويحك تدبر ما سمعت وكن على يقين أن السعادة والفوز في مجانبة الدنيا فسر مع لواء المصطفى سابقاً إلى جنة المأوى

فإنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سادات المؤمنين في الجنة من إذا تغدى لم يجد عشاء وإذا استقرض لم يجد قرضاً وليس له فضل كسوة إلا ما يواريه ولم يقدر على أن يكتسب ما يغنيه يمسي مع ذلك ويصبح راضياً عن ربه {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} // حديث سادات المؤمنين في الجنة من إذا تغدى لم يجد عشاء الحديث عزاه صاحب مسند الفردوس للطبراني من رواية أبي حازم عن أبي هريرة مختصرا بلفظ سادة الفقراء في الجنة الحديث ولم أره في معاجم الطبراني

ألا يا أخي متى جمعت هذا المال بعد هذا البيان فإنك مبطل فيما ادعيت أنك للبر والفضل تجمعه لا ولكنك خوفاً من الفقر تجمعه وللنعيم والزينة والتكاثر والفخر والعلو والرياء والسمعة والتعظيم والتكرمة تجمعه ثم تزعم إنك لأعمال البر تجمع المال ويحك راقب الله واستحي من دعواك أيها المغرور

ويحك إن كنت مفتوناً بحب المال والدنيا فكن مقراً أن الفضل والخير في الرضا بالبلغة ومجانبة الفضول نعم وكن عند جمع المال مزرياً على نفسك معترفاً بإساءتك وجلا من الحساب فذلك أنجى لك وأقرب إلى الفضل من طلب الحجج لجمع المال

إخواني اعلموا أن دهر الصحابة كان الحال فيه موجوداً وكانوا مع ذلك من أورع الناس وأزهدهم في المباح لهم ونحن في دهر الحلال فيه مفقوداً وكيف لنا من الحلال مبلغ القوت وستر العورة

فأما جمع المال في دهرنا فأعاذنا الله وإياكم منه

وبعد فأين لنا بمثل تقوى الصحابة وورعهم ومثل زهدهم واحتياطهم وأين لنا مثل ضمائرهم وحسن نياتهم دهينا ورب السماء بأدواء النفوس وأهوائها وعن قريب يكون الورود فيا سعادة المخفين يوم النشور وحزن طويل لأهل التكاثر والتخاليط وقد نصحت لكم إن قبلتم والقابلون لهذا قليل

وفقنا الله وإياكم فكل خير برحمته آمين

هذا آخر كلامه وفيه كفاية في إظهار فضل الفقر على الغنى ولا مزيد عليه

ويشهد لذلك جميع الأخبار التي أوردناها في كتاب ذم الدنيا وفي كتاب الفقر والزهد

ويشهد له أيضاً ما روي عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً قال يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً قال يا ثعلبة أما لك في أسوة أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى أما والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهباً وفضة لسارت قال والذي بعثك بالحق نبياً لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه ولأفعلن ولأفعلن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم ارزق ثعلبة مالاً فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015