أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" فقد دل هذا النص على أنه إنما ترتفع المؤاخذة بالأعمال التي فعلت في الجاهلية عمن أحسن لا عمن لا يحسن, وإن لم يحسن أخذ بالأول والآخر, ومن لم يتب منها فلم يحسن.

وقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف} 1 يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما قد سلف منه, لا يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما سلف من غيره, وذلك لأن قول القائل لغيره: إن انتهيت عن هذا الأمر غفر لك ما تقدم منه, وإذا انتهيت عن شيء غفر لك ما تقدم منه, كما يفهم مثل ذلك في قوله: "إن تبت" لا يفهم منه أنك بالانتهاء عن ذنب يغفر لك ما تقدم من غيره.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يهدم ما قبله" وفي رواية "يجب ما كان قبله" فهذا قاله لما أسلم عمرو بن العاص وطلب أن يغفر له ما تقدم من ذنبه فقال له: "يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله, وأن التوبة تهدم ما كان قبلها, وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها" 2 ومعلوم أن التوبة إنما توجب مغفرة ما تاب منه, لا توجب التوبة غفران جميع الذنوب.

إن الإنسان قد يستحضر ذنوبا فيتوب منها وقد يتوب توبة مطلقة لا يستحضر معها ذنوبه, لكن إذا كانت نيته التوبة العامة فهي تتناول كل ما يراه ذنبا, لأن التوبة العامة تتضمن عزما بفعل المأمور وترك المحظور, وكذلك تتضمن ندما عاما على كل محظور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015