وَقَول دُرَيْد بن الصمَّة لمن هم فَوْقه ... أَمرتهم أَمْرِي بمنعرج اللوى ...

قَالَ فَهَذِهِ الْأُمُور دَالَّة على عدم اعْتِبَار الْعُلُوّ والاستعلاء وَأجِيب بِأَن الاستعلاء مُعْتَبر لُغَة وَهَذِه الْأَمْثِلَة جَارِيَة على ذَلِك فَإِن فِرْعَوْن مَا خَاطب قومه إِلَّا وَقد عدهم أعلن مِنْهُ رَأيا فِي هَذِه الْحَالة وَأَنه طَالب أَن يأمروه بأمرهم وَكَذَلِكَ عَمْرو مَا خَاطب مُعَاوِيَة إِلَّا مُخَالفَته أمره لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ بِرَأْيهِ وَيطْلب مشورته وَينزل نَفسه منزلَة الْمَأْمُور وَكَذَلِكَ دُرَيْد خَاطب قومه لأَنهم أَخْرجُوهُ ليقتدوا بِرَأْيهِ فَلم يمتثلوا أمره وَقد أَمرُوهُ على نُفُوسهم وَالَّذِي يُقَوي عِنْدِي هُوَ اعْتِبَار الْأَمريْنِ الْعُلُوّ وَهُوَ كَون رُتْبَة الْآمِر أَعلَى من رُتْبَة الْمَأْمُور عِنْده وَلَا بُد من الاستعلاء وَهُوَ عد الْأَمر نَفسه عَالِيا بِالنّظرِ إِلَى الْمَأْمُور فِي اعْتِقَاده لذَلِك واستفعل هُنَا من بَاب واستكبر واستعظم عد نَفسه كَبِيرا عَظِيما وَهُوَ أحد مَعَانِيه فِي كتب التصريف فَقَوْل الْحجَّاج للأمير مثلا افْعَل كَذَا وَقَول الطَّبِيب للخليفة اشرب كَذَا أمرا لَا التماسا اعْتقد استعلاءه عَلَيْهِ وَطلب امتثاله لأَمره وَقَول الرجل لوَلَده افْعَل ولخادمه أَمر لِأَن لَهُ علوا عِنْدهمَا وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد من استعلاء الْأَمر فِيمَا يُؤمر بِهِ فَإِن كَانَ لَهُ علو عِنْد الْمَأْمُور فَلَا إِنْكَار لما صدر عَنهُ ويلومه الْعُقَلَاء على عدم امتثاله وَهُوَ الَّذِي شَمله النّظم

وَالْعجب من الْعِرَاقِيّ وَغَيره فِي إبطالهم الاستعلاء مستدلين بِأَن كثيرا من أوَامِر الله فِي غَايَة اللطف وَنِهَايَة الاستجلاب لاقترانها بتذكير نعمه نَحْو قَوْله {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} الْآيَة وَنَحْو {فَاتبعُوني يحببكم الله} وَغَيرهمَا مِمَّا لَا يُحْصى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015