لهفي على جلّق الهيفاء قد طرقت ... بغادرٍ صير الأحياء أمواتا
" تلا إذا زُلزلتْ " في ربعها وتلا ... بشمل أجنادها أرّخت أشتاتا
وفي يوم السبت أصبحت دمشق كقول الشاعر:
فأصبح بطن مكّة مقشعّراً ... كأنّ الأرض ليس بها هشام
وقول الآخر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر
وعلى كل حال، كان لهم كلمة ومهابة كلية، كل رجل منهم قد وزير أعظم، والباشا الذي يرد كأنه من بعض جماعتهم، إلى أن انتهى أمرهم، فسبحان من لا تغيره المنون، ولا يصفه الواصفون.
وكان لهم قوة بالغة في تجييش الجيوش الأُلوف، وكلمتهم مسموعة في البحر والبر وأطراف البلاد، وورقتهم إلى أي بلدة أو مدينة نافذة أمر من الخط الشريف، يعني من باب المبالغة، حتى من له قضية صعبة في بلد، يجيء للشام لهمتهم وقوتهم.
ربيع الثاني، لم يقع فيه ما يؤرخ.
جمادى الأولى في أوائله، يوم الخميس، توفي إلى رحمة الله أمين جلبي المحبي صاحب النفحة، والتاريخ المشهور، والمضاف والمنسوب، وصلي عليه بالجامع، ودفن بتربة باب الفراديس الشرقية.
وكان عالماً أديباً متفنناً منشئاً، قرأ النحو والمنطق والأصول، وأتقن فنون الأدب والنظم، وشعره في غاية الرقة والجودة والحسن، وكان لطيف الهيئة جداً، نحيفاً، كامل الخلقة، أدركته أبيض الرأس واللحية، معظم الملبس والهيئة، حسن النضارة متواضعاً، حليماً ظريفاً في شكله وهيئته، لم ير مثله. وتأسف الناس عليه، ورثاه كثير من أفاضل دمشق بقصائد طنانة، وكان انتهى إليه فن الأدب والشعر والتاريخ، ألف كتباً حساناً، وأتقن بها كل الإتقان، أخذ عن الفتال والعلاء الحصكفي، والشيخ إسماعيل أفندي النابلسي، وأخذ الطريقة الخلوتية عن غوث زمانه السيد محمد العباسي الصالحي الحنبلي الخلوتي، وترجمه في تاريخه وأتقن، رحمه الله وعفا عنه، آمين.
جمادى الثانية لم يقع ما يؤرخ.
رجب ورد للحج حجاج أروام.
شعبان ورد حجاج كثيرون وعلماء وصوفية وتجار وآغوات، وكان أمير الحج المتعين محمد باشا الرومي الشهير بمحمد أفندي، أصله من الأفندية من العلماء، ومنع كبار دولة دمشق من المقارشة معه، كإسماعيل آغا بن كيوان، ومحمد آغا ترجمان، الفاضلين عن القتل، ونزل دار محمد آغا بن عبدي شمالي باب الفراديس.
وفي ثاني عشر شعبان، يوم الأحد بعد العصر توفي القاضي محمد ابن القاضي أحمد الشويكي الصالحي بالصالحية، وهو من كتاب محكمة المدرسة الجوزية، عن غير ولد، وله مملوك، وعنده بعض ثروة، وصلي عليه بالسليمية الظهر يوم الاثنين، ودفن في صفة الدعاء بالسفح قرب القاضي علاء بن المرداوي الحنبلي الصالحي، صاحب كتاب التنقيح، تحت الروضة، ومقابل زاوية وتربة الشيخ الجليل الشيخ عبد الرحمن الداودي، شارح أوراد والده الشيخ أبي بكر الداودي صاحب كتاب أدب المريد والمراد.
وفيه توفي الشيخ أبو بكر الطعام، بتشديد العين، نسبةً لبيع الطعم. أخذ في نهايته الطريق الخلوتي عن عيسى الخلوتي الصالحي، واشتغل بالتعبد والأوراد التي تلقنها عن أستاذه، وواظب قيام الليل والتهجد وورد الوسائل والصبح في نفسه، أو مع جماعة الأستاذ وقت الاجتماع، ثم انقطع بالحاجبية، وحج نحو ثلاث مرات. وغسل بالحاجبية، وصلي عليه بالجامع المظفري، ودفن بالسفح، شمالي الداودية، عفي عنه، آمين.
رمضان: لم يقع ما يؤرخ.
آخر شوال: طلع المحمل والباشا.
ذو القعدة: لم يقع فيه ما يؤرخ.
ذو الحجة: فيه عزل جوي زاده، ودخل قاضي الشام سيف الدين إبراهيم أفندي آخر الشهر، وأول السنة.
18 - 6 - 1700م
وسلطان مملكة العرب والروم وبعض العجم السلطان مصطفى بن السلطان محمد بن عثمان، وكافل دمشق حسن باشا، وقاضي الشام، السيد سيف الدين إبراهيم أفندي، والمفتي إسماعيل أفندي، وأمير الحج محمد باشا الأفندي الرومي، بالحج الشريف.
وفي يوم الخميس، ورد صاحبنا الأعز عمر آغا بن الناشف من الروم، من قبرس، في البحر.