بالطيب قد خلطت، والمسك عنبرها ... وطعمها طيّبٌ ما مثلها سكبا
فالله يعطيه إسعافاً بصنعته ... لا يعره قادحٌ فيها بأن يعبا
وفيه بالصالحية شاب جيء له بحجر صوان صلب فضربه بيده بعد أن وضعه على الأرض، قده نصفين بضربة واحدة، وهذا في شدة الضرب.
وآخر في شدة الأكل من العجايب، وكلاهما من الصالحية، رجل يقال له مصطفى، ولقبه شداد، وزن سجاد، يأكل كثيراً ما يتخيله العقل، ما لم ينظر ذلك منه. روهن على صندوقة من التين، وأراد يأكل مائةً وخمسين ليمونةً موضوعة عندي فقال: آكلها كلها بقشرتها، وربما يراهن على حلة من الهريسة يأكلها كلها في يوم واحد على آنات متعددة. وشرب قربةً من عرق السوس، وأكل مد ملح وغير ذلك، وهو لا يخرج من بيوت الأكابر لعجيب أمره. ومع ذلك، فهو نحيف جداً، وسألته في ذلك فقلت له: تحتاج في أكلك إلى نفقة كبيرة، فقال يكفيني رغيف، لكن إذا روهنت ووصلت إلى ذلك الشيء، أجد نفسي أني أقوى على أكل أعظم من ذلك، وفي غير هذا الأمر يكفيني رغيف واحد.
وفيه حبس الشيخ منصور الحبال عند العمادي لأجل المدرسة العجمية، مقابل مرقص السودان، قبلي السنانية، وجب في قبله من مال المدرسة خمسماية غرش، فألزمه القاضي بها وحبسه، فحبس عند المفتي.
وفيه عزل شيخ الإسلام مرزا محمد أفندي، وتولى خليل أفندي وأن مرزا على ما قيل أنه أعلم علماء الروم، وبلغ أن له حاشية على البيضاوي عديمة النظير. وقد كفاه الله شرهم وشر ملازمتهم والتقرب إليهم.
والتقرب من السلطان ظاهرة نعمة وباطنه نقمة، وربما ابتلي ببلائهم، وامتحن بجنس رزاياهم، وقيل عزل ثم سركن، لكن سركن بقصد إبعاده، كمن رجع إلى معاده، حيث خلص من المهالك المتوقعة فيمن قاربهم، أو المحققة فيمن قاربهم ثم باينهم.
شهر شعبان، أوله الخميس، في الحادي عشر فيه، كنا مع جماعة من الأصحاب في زيارة مغارة الأربعين، وهو مكان مبارك مشرف، استسقى عنده معاوية رضي الله عنه، ولا يخلو من ورود أصحاب النوبة والأبدال كما هو معلوم، ووقع ذلك لأشخاص رأوهم رؤية عيان، ثم غابوا عنه فلم ير أحد في البيت.
العاشر، كنا مع جماعة من الأصحاب في قصر أبي البقاء، إلى آخر النهار.
وفيه شرع في ترميم المدرسة الإسعردية الكاينة بالجسر الأبيض، الأبيض، ذات الشبابيك الحديد شمالي المادوانية وشرقي المدرسة الباسطية، وجعل لإيوانها الشمالي قوساً، ولها بحرة في الوسط، بين الإيوانين يجري إليها الماء من نهر يزيد. وكان الإيوان سقط من مدة غير بعيدة، وذلك بأمر قاضي القضاة، وهي نزهة لطيفة مطلة، وكان في السابق ينزلها القضاة للحكم، ثم بطل، وعهدت فيها كرسي وعظ موضوع في إيوانها الشمالي، وكان آخر من وعظ فيها العلامة القاضي حسين بن البدوي الشافعي الصالحي، يعظ بكرة النهار في أيام معلومة، ثم بطل ذلك، وصاحبها ومنشئها الخواجا إبراهيم الإسعردي، ومدفنه بها، وعمارتها من أحسن العمارات وأنزه المتنزهات.
وفي الخامس عشر من الشهر، دعا علي آغا دلاور، علماء وفضلاء وصلحاء لتهليلة والده دلاور، آغا الوقوف، وعملوا له ختماً وذكراً، وأهدوا ذلك لروحه كما شرطه في كتاب وقفه، وهو في كل سنة واحدة.
يوم الاثنين، وهو يوم السابع والعشرين، جاءت بشارة من الروم، في نصرة الخنكار، وأخذه قلاعاً من النصارى، وقتلوا منهم خلقاً، والحمد لله.
نزهة
وفيه كنا في الدار الجديدة لصيق الحاجبة، التي جددها عبد الرحيم جلبي الكريمي مع جماعة من الأصحاب، سعيد جلبي السعسعاني، ومحمد جلبي الكنجي، وهما من الفضل والظرف والشعر والبراعة والمشاركة في الفنون على جانب عظيم.